لكنه لما كان في الآخرة أظهر وأتم خصه النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر، وإذا صح الحديث فهو مذهبي. وقرأ ابن هرمز * (إثر) * بكسر الهمزة وسكون الثاء وهو لغة في أثر. وقرأ قتادة من * (آثار) * بالجمع * (ذلك) * إشارة إلى ما ذكر من نعوتهم الجليلة؛ وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو شأنه وبعد منزلته في الفضل، وقيل: البعد باعتبار المبتدأ أعني * (أشداء) * ولو قيل هذا لتوهم أن المشار إليه هو النعت الأخير - أعني * (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) * - وهومبتدأ خبره قوله تعالى: * (مثلهم) * أي وصفهم العجيب الشأن الجاري في الغرابة مجرى الأمثال، وقوله سبحانه وتعالى: * (في التوراة) * حال من * (مثلهم) * والعامل معنى الإشارة؛ وقوله تعالى: * (ومثلهم في الإنجيل) * عطف على * (مثلهم) * الأول كأنه قيل: ذلك مثلهم في التوراة والإنجيل، وتكرير * (مثلهم) * لتأكيد غرابته وزيادة تقريرها، وقرىء * (الإنجيل) * بفتح الهمزة، وقوله عز وجل: * (كزرع أخرج شطئه) * الخ تمثيل مستأنف أي هم أو مثلهم كزرع الخ فالوقف على * (الإنجيل) * وهذا مروي عن مجاهد، وقيل: * (مثلهم) * الثاني مبتدأ وقوله تعالى: * (كزرع) * الخ خبره فالوقف على * (التوراة) * وهذا مروي عن الضحاك. وأبي حاتم. وقتادة، وجوز أن يكون ذلك إشارة مبهمة أوضحت بقوله تعالى: * (كزرع) * الخ كقوله تعالى: * (وقضينا إليه الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) * (الحجر: 66) فعلى الأول والثالث * (مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل) * (الفتح: 29) شيء واحد إلا أنه على الأول * (أشداء على الكفار رحماء بينهم) * الخ، وعلى الثالث * (كزرع أخرج شطأه) * الخ وعلى الثاني * (مثلهم في التوراة) * شيء وهو * (أشداء) * الخ ومثلهم في الإنجيل شيء آخر وهو * (كزرع) * الخ.
واعترض الوجه الثالث بأن الأصل في الإشارة أن تكون لمتقدم وإنما يشار إلى المتأخر إذا كان نعتا لاسم الإشارة نحو * (ذلك الكتاب) *، وفيه أن الحصر ممنوع، والشطء فروخ الزرع كما قال غير واحد وهو ما خرج منه وتفرع في شاطئيه أي في جانبيه؛ وجمعه كما قال الراغب أشطاء، وقال قطرب: شوك السنبل يخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان، وقال الكسائي. والأخفش: طرفه، وأنشدوا:
أخرج الشطء على وجه الثرى * ومن الأشجار أفنان الثمر وزعم أبو الفتح أن الشطء لا يكون إلا في البر والشعير، وقال " صاحب اللوامح ": شطأ الزرع وأشطأ إذا أخرج فراخه وهو في الحنطة والشعير وغيرهما، وفي " البحر " اشطأ الزرع افرخ والشجرة أخرجت غصونها.
وفي " القاموس " الشطء فراخ النخل والزرع أو ورقه، جمعه شطوء، وشطأ كمنح شطأ وشطوأ أخرجها، ومن الشجر ما خرج حول أصله وجمعه أشطاء، وأشطأ اخرجها اه، وفيه ما يرد به على أبي الفتح مع زيادة لا تخفى فائدتها فلا تغفل.
وقرأ ابن كثير. وابن ذكوان * (شطأه) * بفتح الطاء. وقرأ أبو حيوة. وابن أبي عبلة. وعيسى الكوفي كذلك وبالمد. وقرأ زيد بن علي كذلك أيضا وبالف بدل الهمزة فاحتمل أن يكون مقصورا وإن يكون أصله الهمز فنقل الحركة وأبدل الهمزة ألفا كما قالوا في المرأة والكمأة المراة والكماة، وهو تخفيف مقيس عند الكوفيين وعند البصريين شاذ لا يقاس عليه، وقرأ أبوجعفر * (شطه) * بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الطاء، ورويت عن شيبة. ونافع. والجحدري، وعن الجحدري أيضا * (شطوه) * بإسكان الطاء وواو بعدها، قال أبو الفتح: هي لغة أو بدل من الهمزة * (فآزره) * أي أعانه وقواه قاله الحسن. وغيره، قال الراغب: وأصله من شد الإزار