تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٣٦
لسن نساء الدنيا، أخرج ابن أبي حاتم. والطبراني عن أبي أمامة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الحور العين من زعفران " وأخرج ابن مردويه. والخطيب عن أنس بن مالك مرفوعا نحوه، وأخرج ابن المبارك عن زيد بن أسلم قال: إن الله تعالى لم يخلق الحور العين من تراب إنما خلقهن من مسك وكافور وزعفران. وأخرج ابن مردويه. والديلمي عن عائشة قالت: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حور العين خلقهن من تسبيح الملائكة عليهم السلام " وهذا إن صح لا يعارض ما قبله إذ لا بد عليه من أن يقال بتجسد المعاني فيجوز تجسد التسبيح وجعله جزأ مما خلقن منه، وقيل: المراد بهن هنا نساء الدنيا وهن في الجنة حور عين بالمعنى الذي سمعت بل هن أجمل من الحور العين أعني النساء المخلوقات في الجنة من زعفران أو غيره ويعطي الرجل هناك ما كان له في الدنيا من الزوجات، وقد يضم إلى ذلك ما شاء الله تعالى من نساء متن ولم يتزوجن، ومن تزوجت بأكثر من واحد فهي لآخر أزواجها أو لأولهم إن لم يكن طلقها في الدنيا أو تخير فتختار من كان أحسنهم خلقا معها أقوال صحح جمع منها الأول، وتعطى زوجة كافر دخلت الجنة لمن شاء الله تعالى. وقد ورد أن آسية امرأة فرعون تكون زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم.
وقرأ عكرمة * (بحور عين) * بازضافة وهي على معنى من أي بالحور من العين، وفي قراءة عبد الله * (بعيس عين) * والعياسء البيضاء تعلوها حمرة.
* (يدعون فيها بكل فاكهة ءامنين) *.
* (يدعون فيها بكل فاكهة) * يطلبون ويأمرون بإحضار ما يشتهون من الفواكه ولا يتخصص شيء منها بمكان ولا زمان * (ءامنينع) * من الضرر أي ضرر كان، وهو حال من ضمير * (يدعون) * وكونه حالا من الضمير في قوله سبحانه: * (في جنات) * بعيد، وأبعد منه جعل * (يدعون) * حينئذ صفة الحور والنون فيه ضمير النسوة ومنه يفعلن لما فيه من ارتكاب خلاف الظاهر مع عدم المناسبة للسياق.
وقوله تعالى:
* (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى ووق‍اهم عذاب الجحيم) *.
* (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) * جملة مستأنفة أو حالية وكأنه أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة فوضع الموتة الأولى موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها، ونظيره قول القائل لمن يستسقيه: لا أسقيك إلا الجمر وقد علم أن الجمر لا يسقى، ومثله قوله عز وجل: * (ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) * (النساء: 22) فالاستثناء متصل والدخول فرضي للمبالغة، وضمير * (فيها) * للجنات، وقيل: هو متصل والمؤمن عند موته لمعاينة ما يعطاه في الجنة كأنه فيها فكأنه ذاق الموتة الأولى في الجنة، وقيل: متصل وضمير * (فيها) * للآخرة والموت أول أحوالها، ولا يخفى ما فيه من التفكيك مع ارتكاب التجوز، وقيل: الاستثناء منقطع والضمير للجنات أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا، والأصل اتصال الاستثناء، وقال الطبري: إلا بمعنى بعد، والجمهور لم يثبتوا هذا المعنى لها، وقال ابن عطية: ذهب قوم إلى أن إلا بمعنى سوى وضعفه الطبري.
وقال أبو حيان: ليس تضعيفه بصحيح بل يصح المعنى بسوى ويتسق. وفائدة الوصف تذكير حال الدنيا.
والداعي لما سمعت من الأوجه دفع سؤال يورد ههنا من أن الموتة الأولى مما مضى لهم في الدنيا وما هو كذلك لا يمكن أن يذوقوه في الجنة فكيف استثنيت؟ وقيل: إن السئال مبني على أن الاستثناء من النفي إثبات فيثبت للمستثني الحكم المنفي عن المستثنى منه ومحال أن يثبت للموتة الأولى الماضية الذوق في الجنة، وأما على قول من
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»