تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٤٩
فشريعة الدين من ذلك من حيث يرد الناس منها أمر الله تعالى ورحمته والقرب منه عز وجل، وقال الراغب: الشرع مصدر ثم جعل اسما للطريق النهج فقيل له شرع وشرعة وشريعة واستعير ذلك للطريقة الإلهية من الدين ثم قال: قال بعضهم سميت الشريعة شريعة تشبيها بشريعة الماء من حيث أن من شرع فيها على الحقيقة والصدق روي وتطهر، وأعني بالري ما قال بعض الحكماء: كنت أشرب فلا أروى فلما عرفت الله تعالى رويت بلا شرب، وبالتطهر ما قال عز وجل: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * والظاهر هنا المعنى اللغوي، والتنوين للتعظيم أي شريعة عظيمة الشأن * (من الأمر) * أي أمر الدين، وجوز أبو حيان كونه مصدر أمر، والمراد من الأمر والنهي وهو كما ترى * (فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) * أي آراء الجهال التابعة للشهوات، والمراد بهم ما يعم كل ضال، وقيل: هم جهال قريظة. والنضير، وقيل: رؤساء قريش كانوا يقولون له صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى دين آبائك.
* (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظ‍المين بعضهم أوليآء بعض والله ولى المتقين) *.
* (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا) * من الأشياء أو شيئا من الأغناء ان اتبعتهم والجملة مستأنفة مبينة لعلة النهي * (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض) * لا يواليهم ولا يتبع أهواءهم إلا من كان ظالما مثلهم.
* (والله ولي المتقين) * الذين أنت قدوتهم فدم على ما أنت عليه من توليه سبحانه خاصة والاعراض عما سواه عز وجل بالكلية.
* (ه‍اذا بص‍ائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون) *.
* (ه‍اذا) * أي القرآن * (بصائر للناس) * فإن ما فيه من معالم الدين وشعائر الشرائع بمنزلة البصائر في القلوب، وقيل: الإشارة إلى اتباع الشريعة والكلام من باب التشبيه البليغ، وجمع الخبر على الوجهين باعتبار تعدد ما تضمنه المبتدأ واتباع مصدر مضاف فيعم ويخبر عنه بمتعدد أيضا، وقرىء * (هذه) * أي الآيات) * * (وهدى) * جليل من ورطة الضلالة * (ورحمة) * عظيمة * (لقوم يوقنون) * من شأنهم الإيقان بالأمور.
* (أم حسب الذين اجترحوا السيئ‍ات أن نجعلهم ك الذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات سوآء محي‍اهم ومم‍اتهم سآء ما يحكمون) *.
* (أم حسب الذين اجترحوا السيئات) * (الجاثية: 21) إلى آخره استئناف مسوق لبيان حال المسيئين والمحسنين إثر بيان حال الظالمين والمتقين، و * (أم) * منقطعة وما فيها من معنى بل للانتقال من البيان الأول إلى الثاني، والهمزة لإنكار الحسبان على معنى أنه لا يليق ولا ينبغي لظهور خلافه، والاجتراح الاكتساب ومنه الجارحة للأعضاء التي يكتسب بها كالأيدي، وجاء هو جارحة أهله أي كاسبهم، وقال الراغب: الاجتراح اكتساب الاثم وأصله من الجراحة كما أن الاقتراف من قرف القرحة، والظاهر تفسيره ههنا بالاكتساب لمكان * (السيئات) * والمراد بها على ما في البحر سيئات الكفر، وقوله تعالى: * (أن نجعلهم) * ساد مسد مفعولي الحسبان، والجعل بمعنى التصيير وهم مفعوله الأول، وقوله سبحانه: * (كعالذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات) * مفعوله الثاني، وقوله عز وجل: * (سواء) * بدل من الكاف بناء على أنها اسم بمعنى مثل، وقوله تعالى: * (محياهم ومماتهم) * فاعل سواء أجرى مجرى مستو كما قالوا: مررت برجل سواء هو والعدم، وضمير الجمع للمجترحين، والمعنى على إنكار حسبان جعل محبا المجترحين ومماتهم مستويين مثلهما للمؤمنين، ومصب الإنكار استواء ذلك فإن المؤمنين تتوافق حالاهم لأنهم مرحومون في المحيا والممات وأولئك تتضاد حالا هم فانهم مرحومون حياة لا موتا؛ وجوز أن يكون * (سواء) * حالا من الضمير في الكاف بناء على ما سمعت من معناها.
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»