تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٤٦
أن مخلوقات البر عشر مخلوقات البحر والمجموع عشر مخلوقات الجو والمجموع عشر ملائكة السماء الدنيا والمجموع عشر ملائكة السماء الثانية وهكذا إلى السماء السابعة والمجموع عشر ملائكة الكرسي والمجموع عشر الملائكة الحافين بالعرش، ولا نسبة بين مجموع المذكور وما يعلمه الله تعالى من جنوده سبحانه: * (وما يعلم جنود ربك إلا هو) * (المدثر: 31) ويقال لحملة العرش والحافين به الكروبيون جمع كروبي بفتح الكاف وضم الراء المهملة المخففة وتشديدها خطأ ثم واو بعدها باء موحدة ثم ياء. مشددة من كرب بمعنى قرب، وقد توقف بعضهم في سماعه من العرب وأثبته أبو علي الفارسي واستشهد له بقوله: كروبية منهم ركوع وسجد وفيه دلالة على المبالغة في القرب لصيغة فعول والياء التي تزاد للمبالغة، وقيل: من الكرب بمعنى الشدة والحزن وكأن وصفهم بذلك لأنه أشد الملائكة خوفا.
وزعم بعضهم أن الكروبيين حملة العرش وأنهم أول الملائكة وجودا ومثله لا يعرف إلا بسماع. وعن البيهقي أنهم ملائكة العذاب وكأن ذلك إطلاق آخر من الكرب بمعنى الشدة والحزن، وقال ابن سيناء في رسالة: الملائكة الكروبيون هم العامرون لعرصات التيه الاعلى الواقفون في الموقف الأكرم زمرا الناظرون إلى المنظر الأبهى نظرا وهم الملائكة المقربون والأرواح المبرؤون، وأما الملائكة العاملون فهم حملة العرش والكرسي وعمار السماوات انتهى.
وذهب بعضهم إلى أن حمل العرش مجاز عن تدبيره وحفظه من أن يعرض له ما يخل به أو بشيء من أحواله التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، وجعلوا القرينة عقلية لأن العرش كرى في حيزه الطبيهي فلا يحتاج إلى حمل ونسب ذلك إلى الحكماء وأكثر المتكلمين، وكذا ذهبوا إلى إن الحفيف والطواف بالعرش كناية أو مجاز عن القريب من ذي العرش سبحانه ومكانتهم عنده تعالى وتوسطهم في نفاذ أمره عز وجل، والحق الحقيقة في الموضعين؛ وما ذكر من القرينة العقلية في حيز المنع.
وقرأ ابن عباس. وفرقة * (العرش) * بضم العين فقيل: هو جمع عرش كسقف وسقف أو لغة في العرش، والموصول الأول مبتدأ والثاني عطف عليه والخبر قوله تعالى: * (يسبحون بحمد ربهم) * والجملة استئناف مسوق لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيان أن الملائكة الذين هم في المحل الأعلى مثابرون على ولاية من معه من المؤمنين ونصرتهم واستدعاء ما يسعدهم في الدراين أي ينزهونه تعالى عن كل ما لا يليق بشأنه الجليل كالجسمية وكون العرش حاملا له عز وجل ملتبسين بحمده جل شأنه على نعمائهالتي لا تتناهي.
* (ويؤمنون به) * إيمانا حقيقيا كاملا، والتصريح بذلك مع الغني عن ذكره رأسا لإظهار فضيلة الإيمان وإبراز شرف أهله والاشعار بعلة دعائهم للمؤمنين حسبما ينطق به قوله تعالى: * (ويستغفرون للذين ءامنوا) * فإن المشاركة في الإيمان أقوى المناسبات وأتمها وادعى الدواعي إلى النصح والشقفة وإن تخالفت الأجناس وتباعدت الأماكن، وفيه على ما قيل: اشعار بأن حملة العرش وسكان الفرش سواء في الإيمان بالغيب إذ لو كان هناك مشاهدة للزومها من الحمل بناء على العادة الغالبة أو على أن العرش جسم شفاف لا يمنع الأبصار البتة لم يقل يؤمنون لأن الإيمان هو التصديق القلبي أعني العلم أو ما يقوم مقامه مع اعتراف وإنما يكون في الخبر ومضمونه من معتقد علمي أو ظني ناشىء من البرهان أو قول الصادق كأنه اعترف بصدق المخبر أو البرهان
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»