تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٥٠
إثر الأذان وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، وقد أجيب عن ذلك بغير ما أشير إليه أيضا وهو أن سبق الوعد لا يستدعي حصول الموعود بلا توسط دعاء.
وبالجملة لا بأس بحمل التوبة على التوبة من الذنوب مطلقا ولا يلزم من القول به القول بشيء من أصول المعتزلة فتأمل وأنصف [بم وقوله تعالى:
* (إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيم‍ان فتكفرون) *.
* (إن الذين كفروا) * شروع في بيان أحوال الكفال بعد دخول النار.
* (ينادون) * وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي وقعوا فيما وقعوا باتباع هواها حتى أكلوا أناملهم من المقت كما أخرج ذلك عبد بن حميد عن الحسن.
وفي بعض الآثار أنهم يمقتون أنفسهم حين يقول لهم الشيطان: * (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) * (إبراهيم: 22) وقيل: يمقتونها حين يعلمون أنهم من أصحاب النار، والمنادي الخزنة أو المؤمنون يقولون لهم إعظاما لحسرتهم: * (لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم) * وهذا معمول للنداء لتضمنه معنى القول كأنه قيل ينادون مقولا لهم لمقت الخ أو معمول لقول مقدر بفاء التفسير أي ينادون فيقال لهم: لمقت الخ، وجعله معمولا للنداء على حذف الجار وإيصال الفعل بالجملة ليس بشيء، و * (مقت) * مصدر مضاف إلى الاسم الجليل إضافة المصدر لفاعله، وكذا إضافة المقت الثاني إلى ضمير الخطاب.
وفي الكلام تنازع أو حذف معمول الأول من غير تنازل أي لمقت الله إياكم أو أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم، واللام للابتداء أو للقسم، والمقت أشد البغض؛ والخلف يؤولونه مسندا إليه تعالى بأشد الإنكار.
* (إذ تدعون) * أي إذ يدعوكم الأنبياء ونوابهم * (إلى الايمان) * فتأبون قبوله * (فتكفرون) * وهذا تعليل للحكم أو للمحكوم به - فإذ - متعلقة - بأكبر - وكان التعبير بالمضارع للإشارة إلى الاستمرار التجددي كأنه قيل: لمقت الله تعالى أنفسكم أكبر من مقتكم إياها لأنكم دعيتم مرة بعد مرة إلى الايمان فتكرر منكم الكفر، وزمان المقتين واحد على ما هو المتبادر وهو زمان مقتهم أنفسهم الذي حكيناه آنفا ".
ويجوز أن يكون تعليلا لمقتهم أنفسهم وإذ متعلق - بمقت - الثاني فهم مقتوا أنفسهم لأنهم دعوا مرارا إلى الايمان فكفروا، والتعبير بالمضارع كما في الوجه السابق، وزمان المقتين كذلك، والعلة في الحقيقة إصرارهم على الكفر مع تكرر دعائهم إلى الايمان، وجوز أن يكون تعليلا لمقت الله و * (إذ) * متعلقة به، ويعلم مما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما عليه وما له، وظاهر صنيع جماعة من الأجلة اختيار كون * (إذ) * ظرفية لا تعليلية فقيل: هي ظرف - لمقت - الأول، والمعنى لمقت الله تعالى أنفسكم في الدنيا إذ تدعون إلى الايمان فتكفرون أشد من مقتكم إياها اليوم وأنتم في النار أو وأنتم متحققون إنكم من أصحابها فزمان المقتين مختلف، وكون زمان الأول الدنيا وزمان الثاني الآخرة مروي عن الحسن، وأخرجه عبد بن حميد. وابن المنذر عن مجاهد، واعترض عليه غير واحد بلزوم الفصل بين المصدر وما في صلته بأجنبي هو الخبر، وفي أمالي ابن الحاجب لا بأس بذلك لأن الظروف متسع فيها، وقيل: هي لمصدر آخر يدل عليه الأول أو لفعل يدل عليه ذلك كما في البحر.
وفي " الكشف " فيه أن المقدر لا بد له من جزاآت أن استقل ويتسع الخرق وإن جعل بدلا فحذفه وأعمال
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»