تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ١٣٠
وخصوص من وجه، والظاهر أن المراد بالعربي مقابل الأعجمي في القراءة المشهورة ومقابله العجمي في القراءة الأخرى.
وقرأ الحسن. وأبو الأسود. والجحدري. وسلام. والضحاك. وابن عباس. وابن عامر بخلاف عنهما * (أعجمي) * بلا استفهام وبسكون العين على أن الكلام إخبار بأن القرآن أعجمي والمتكلم به أو المخاطب عربي.
وجوز أن يكون المراد هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجميا لإفهام العجم وبعضها عربيا لإفهام العرب وروي هذا عن ابن جبير فالكلام بتقدير مبتدأ هو بعض أي بعضها أعجمي وبعضها عربي، والمقصود به من الجملة الشرطية إبطال مقترحهم وهو كونه بلغة العجم باستلزامه المحذور وهو فوات الغرض منه إذ لا معنى لإنزاله أعجميا على من لا يفهمه أو الدلالة على أنهم لا ينفكون عن التعنت فإذا وجدت الأعجمية طلبوا أمرا آخر وهكذا.
* (قل) * ردا عليهم * (هو للذين ءامنوا هدى) * يهدي إلى الحق * (وشفاء) * لما في الصدور من شك وشبهة * (والذين لا يؤمنون) * مبتدأ خبره * (في ءاذانهم وعقر) * على أن * (في آذانهم) * و * (وقر) * فاعل الظرف، أي مستقر في آذانهم وقر أي صمم منه فلا يسمعونه، وقيل: خبر الموصول * (في ءاذانهم) * و * (وقر) * فاعل الظرف، وقيل: * (وقر) * خبر مبتدأ محذوف تقديره هو أي القرآن و * (في أذانهم) * متعلق بمحذوف وقع حالا من * (وقر) *.
ورجح بأنه أوفق بقوله تعالى: * (وهو عليهم عمى) * ومن جوز العطف على معمولي عاملين عطف الموصول على الموصول الأول و * (وقر) * على * (هدى) * على معنى هو للذين آمنوا هدى وللذين لا يؤمنون وقر، وقوله تعالى: * (في ءاذانهم) * ذكر بيانا لمحل الوقر أو حال من الضمير في الظرف الراجع إلى * (وقر) * والأول أبلغ؛ ويرد عليه بعد الإغماض عما في جواز العطف المذكور من الخلاف أن فيه تنافرا بجعل القرآن نفس الوقر لا سيما وقد ذكر محله وليس كجعله نفس العمى لأنه يقابل جعله نفس الهدى فروعي الطباق ولذا لم يبين محله، وأما الوقر إذا جعل نفس الكتاب فهو كالدخيل ولم يطابق ما ورد في سائر المواضع من التنزيل، وهذا يرد على الوجه الذي قبله أيضا، وجوز ابن الحاجب في الأمالي أن يكون * (وهو عليهم عمى) * مرتبطا بقوله سبحانه: * (هو للذين آمنوا هدى وشفاء) * والتقدير هو للذين آمنوا هدى وعلى الذين لا يؤمنون عمى، وقوله تعالى: * (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر) * جملة معترضة على الدعاء، وتعقب بأن هذا وإن جاز من جهة الإعراب لكنه من جهة المعاني مردود لفك النظم، وزعم بعضهم أن ضمير * (هو) * عائد على الوقر وهو من العمى كما ترى.
وأولى الأوجه ما تقدم وجىء بعلى في * (عليهم عمى) * للدلالة على استيلاء العمى عليهم، ولم يذكر حال القلب لما علم من التعريض في قوله سبحانه: * (للذين آمنوا هدى وشفاء) * بأنه لغيرهم مرض فظيع * (أول‍ائك) * إشارة إلى الموصول الثاني باعتبار اتصافه بما في حيز صلته وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته في الشر مع ما فيه من كمال المناسبة للنداء من مكان بعيد أي أولئك البعداء الموصوفون بما ذكر من التصام عن الحق الذي يسمعونه والتعامي عن الآيات التي يشاهدونها * (ينادون من مكان بعيد) * تمثيل لهم في عدم فهمهم وانتفاعهم بما دعوا له بمن ينادي من مسافة نائية فهو يسمع الصوت ولا يفهم تفاصيله ولا معانيه أو لا يسمع ولا يفهم، فقد حكى أهل اللغة أنه يقال للذي لا يفهم: أنت تنادي من بعيد، وإرادة هذا المعنى مروية عن علي كرم الله تعالى
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 » »»