تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ١٢٨
فقيل: مذكور وهو قوله تعالى: * (أولئك ينادون من مكان بعيد) * (فصلت: 44) وهو قول أبي عمرو بن العلاء في حكاية جرت بينه وبين بلال بن أبي بردة سئل بلال في مجلسه عن هذا فقال: لم أجد لها نفاذا فقال له أبو عمرو: إنه منك لقريب * (أولئك ينادون من مكان بعيد) * وذهب إليه الحوفي وهو في مكان بعيد، وذهب أبو حيان إلى أنه قوله تعالى: * (لا يأتيه الباطل) * بحذف العائد أي الكافرون وحاله أنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل منهم أي متى راموا أبطالا له لم يصلوا إليه أو يجعل أل في الباطل عوضا من الضمير به على قول الكوفيين أي لا يأتيه باطلهم أو قوله سبحانه: * (ما يقال لك) * الخ والعائد أيضا محذوف أي ما يقال لك في شأنهم أو فيهم إلا ما قد قيل للرسل من قبلك أي أوحى إليك في شأن هؤلاء المكذبين لك ولما جئت به مثل ما أوحي إلى من قبلك من الرسل وهو أنهم عاقبتهم سيئة في الدنيا بالهلاك وفي الآخرة بالعذاب الدائم ثم قال: وغاية ما في هذين التوجيهين حذف الضمير العائد وهو موجود نحو السمن منوان بدرهم والبركر بدرهم أي منه.
ونقل عن بعض نحاة الكوفة أن الخبر في قوله تعالى: * (وإنه لكتاب عزيز) * وتعقبه بأنه لا يتعقل، وقيل: هو محذوف وخبر * (إن) * يحذف لفهم المعنى، وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن ذلك فقال عمرو: معناه في التفسير أن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به وأنه لكتاب عزيز فقال عيسى: أجدت يا أبا عثمان.
وقال قوم: تقديره معاندون أو هالكون، وقال الكسائي؛ قد سد مسده ما تقدم من الكلام قبل وهو قوله تعالى: * (أفمن يلقى) * وكأنه يريد أنه محذوف دل عليه ما قبله فيمكن أن يقدر يخلدون في النار، ويقدر الخبر على ما استحسنه ابن عطية بعد * (حميد) * وفي الكشاف أن قوله تعالى: * (أن الذين كفروا بالذكر) * بدل من قوله تعالى: * (أن الذين يلحدون في آياتنا) * قال في " البحر ": ولم يتعرض بصريح الكلام إلى خبر * (إن) * أمذكور هو أو محذوف لكنه قد يدعى أنه أشار إلى ذلك فإن المحكوم به على المبدل منه هو المحكوم به على البدل فيكون التقديران الذين يلحدون في آياتنا أن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم لا يخفون علينا. وفي " الكشف " فائدة هذا الإبدال التنبيه على أنه ما يحملهم على الإلحاد إلا مجرد الكفر، وفيه إمداد التحذير من وجوه ما ذكر من التنبيه؛ ووضع الذكر موضع الضمير الراجع إلى الآيات زيادة تحسير لهم، وما في * (لما) * من معنى مفاجأتهم بالكفر أول ما جاء، وما فيه من التعظيم لشأن الآيات والتمهيد للحديث عن كمال الكتاب الدال على سوء مغبة الملحد فيه، ثم الأشبه أن يحمل كلام الكشاف على أن الخبر محذوف لدلالة السابق عليه ولزيادة التهويل لذهاب الوهم كل مذهب وتكون الجملة بدلا عن الجملة لأن البدل بتكرير العالم إنما جوز في المجرور لشدة الاتصال انتهى فتأمل والله تعالى الموفق.
* (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم) *.
* (ما يقال لك) * إلى آخره تسلية له صلى الله عليه وسلم عما يصيبه من أذية الكفار من طعنهم في كتابه وغير ذلك فالقائل الكفار أي ما يقول كفار قومك في شأنك وشأن ما أنزل إليك من القرآن * (إلا ما قد قيل) * أي مثل ما قد قال الكفرة السابقون * (للرسل من قبلك) * من الكلام المؤذي المتضمن للطعن فيما أنزل إليهم، وهذا نظير قوله تعالى: * (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) * (الذاريات: 52). وقوله تعالى: * (إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم) * قيل: تعليل لما يستفاد من السياق من الأمر بالصبر كأنه قيل: ما يقال لك إلا نحو ما قيل لأمثالك من الرسل فاصبر كما صبروا إن ربك لذو مغفرة عظيمة
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 » »»