تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ١٢١
على تفسير الاستقامة بأداء الفرائض أو بالعمل للتراخي الرتبي أيضا بناء على أن الإقرار مبدأ الاستقامة على ذلك ومنشؤها، وهذا على عكس التراخي الرتبي الذي سمعته أولا لأن المعطوف عليه فيه أعلى مرتبة من المعطوف إذ هو العمدة والأساس، وعلى ما تقدم المعطوف أعلى مرتبة من المعطوف عليه كما لا يخفى * (تنزل عليهم) * من الله ربهم عز وجل * (الملائكة) * قال مجاهد. والسدي: عند الموت، وقال مقاتل: عند البعث، وعن زيد بن أسلم عند الموت وفي القبر وعند البعث، وقيل: تتنزل عليهم يمدونهم فيما يعن ويطرأ لهم من الأمور الدينية والدنيوية بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن بطريق الإلهام كما أن الكفرة يغويهم ما قيض لهم من قرناء السوء بتزيين القبائح، قيل: وهذا هو الأظهر لما فيه من الإطلاق والعموم الشامل لتنزلهم في المواطن الثلاثة السابقة وغيرها، وقد قدمنا لك أن جميعا من الناس يقولون: بتنزل الملائكة على المتقين في كثير من الأحيايين وأنهم يأخذون منهم ما يأخذون فتذكر. * (ألا تخافوا) * ما تقدمون عليه فإن الخوف غم يلحق لتوقع المكروه * (ولا تحزنوا) * على ما خلفتم فإنه غم يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضار وروى هذا عن مجاهد، وقال عطاء بن أبي رباح: لا تخافوا رد حسناتكم فإنها مقبولة ولا تحزنوا على ذنوبكم فإنها مغفورة، وقيل: المراد نهيهم عن الغموم على الإطلاق.
والمعنى أن الله تعالى كتب لكم الأمس من كل غم فلم تذوقوه أبدا. و * (أن) * إما مصدرية و * (لا) * ناهية أو نافية وسقوط النون للنصب والخبر في موضع الإنشاء مبالغة، وإما مخففة من الثقيلة و * (تتنزل) * مضمن معنى العلم ولا ناهية وأن في الوجهين مقدرة بالباء أي بأن لا تخافوا أو بأنه لا تخافوا والهاء ضمير الشأن. وإما مفسرة و * (تتنزل) * مضمن معنى القول ولا ناهية أيضا.
وفي قراءة عبد الله * (لا تخافوا) * بدون * (أن) * أي يقولون لا تخافوا على أنه حال من الملائكة أو استئناف.
* (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) * أي التي كنتم توعدونها في الدنيا على ألسنة الرسل عليهم السلام، هذا من بشاراتهم في أحد المواطن الثلاثة [بم وقوله تعالى:
* (نحن أوليآؤكم فى الحيواة الدنيا وفى الاخرة ولكم فيها ما تشتهىأنفسكم ولكم فيها ما تدعون) *.
* (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا) * إلى آخره من بشاراتهم في الدنيا أي أعوانكم في أموركم نلهمكم الحق ونرشدكم إلى ما فيه خيركم وصلاحكم، ولعل ذلك عبارة عما يخطر ببال المؤمنين المسترين على الطاعات من أن ذلك بتوفيق الله تعالى وتأييده لهم بواسطة الملائكة عليهم السلام، ويجوز على قول بعض الناس أن تقول الملائكة لبعض المتقين شفاها في غير تلك المواطن: * (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا) * * (وفي الآخرة) * نمدكم بالشفاعة ونتلقاكم بالكرامة حين يقع بين الكفرة وقرنائهم ما يقع من الدعاوي والخصام.
وذهب بعض المفسرين على أن هذا من بشاراتهم في أحد المواطن الثلاثة أيضا على معنى كنا نحن أولياءكم في الدنيا ونحن أولياؤكم في الآخرة، وقيل: هذا من كلام الله تعالى دون الملائكة أي نحن أولياؤكم بالهداية والكفاية في الدنيا والآخرة * (ولكم فيها) * أي في الآخرة * (ما تشتهي أنفسكم) * من فنون الملاذ * (ولكم فيها ما تدعون) * ما تتمنون وهو افتعال من الدعاء بمعنى الطلب أي تدعون لأنفسكم وهو عند بعض أعم من الأول لأنه قد يقع الطلب في أمور معنوية وفضائل عقلية روحانية، وقيل: بينهما عموم وخصوص
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»