من وجه إذ قد يشتهي المرء ما لا يطلبه كالمريض يشتهي ما يضره ولا يريده، وكون التمني أعم من الإرادة غير مسلم، نعم قيل: إذا أريد بالمتمني ما يصح تمنيه لا ما يتمنى بالفعل فذاك.
وقال ابن عيسى المراد ما تدعون أنه لكم فهو لكم يحكم ربكم * (ولكم) * في الموضعين خبر و * (ما) * مبتدأ و * (فيها) * حال من ضميره في الخبر وعدم الاكتفاء بعطف * (ما تدعون) * على * (ما تشتهي) * للإيذان باستقلال كل منهما.
* (نزلا من غفور رحيم) *.
* (نزلا) * قال الحسن: منا وقال بعضهم: ثوابا، وتنوينه للتعظيم وكذا وصفه بقوله تعالى: * (من غفور رحيم) * والمشهور أن النزل ما يهيأ للنزيل أي الضيف ليأكله حين نزوله وتحسن إرادته هنا على التشبيه لما في ذلك من الإشارة إلى عظم ما بعد من الكرامة، وانتصابه على الحال من الضمير في الظرف الراجع إلى * (ما تدعون) * لا من الضمير المحذوف الراجع إلى * (ما) * لفساد المعنى لأن التمني والإدعاء ليس في حال كونه نزلا بل ثبت لهم ذلك المدعي واستقر حال كونه نزلا، وجعله حالا من المبتدأ نفسه لا يخفى حاله على ذي تمييز.
وقال ابن عطية: * (نزلا) * نصب على المصدر، والمحفوظ أن مصدر نزل نزول لا نزل، وجعله بعضهم مصدرا لأنزل، وقيل: هو جمع نازل كشارف وشرف فينتصب على الحال أيضا أي نازلين، وذو الحال على ما قال أبو حيان: الضمير المرفوع في * (تدعون) * ولا يحسن تعلق * (من غفور) * به على هذا القول فقيل: هو في موضع الحال من الضمير في الظرف فلا تغفل.
وقرأ أبو حيوة * (نزلا) * بإسكان الزاي.
* (ومن أحسن قولا ممن دعآ إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين) *.
* (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) * أي إلى توحيده تعالى وطاعته والظاهر العموم في كل داع إلى تعالى، وإلى ذلك ذهب الحسن. ومقاتل. وجماعة، وقيل:
بالخصوص فقال ابن عباس: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنه أيضا هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقالت عائشة. وقيس بن أبي حازم. وعكرمة. ومجاهد: نزلت في المؤذنين، وينبغي أن يتأول قولهم على أنهم داخلون في الآية وإلا فالسورة بكمالها مكية بلا خلاف ولم يكن الأذان بمكة إنما شرع بالمدينة، والتزام القول بتأخر حكمها عن نزولها كما ترى، والظاهر أن المراد الدعاء باللسان، قيل: به وباليد كأن يدعو إلى الإسلام ويجاهد، وقال زيد بن علي: دعا إلى الله بالسيف، ولعل هذا والله تعالى أعلم هو الذي حمله على الخروج بالسيف على بعض الظلمة من ملوك بني أمية، وكان زيد هذا رضي الله تعالى عنه عالما بكتاب الله تعالى وله تفسير ألقاه على بعض النقلة عنه وهو في حبس هشام بن عبد الملك وفيه من العلم والاستشهاد بكلام العرب حظ وافر.
ويقال: إنه كان إذا تناظر هو وأخوه محمد الباقر اجتمع الناس بالمحابر يكتبون ما يصدر عنهما من العلم رحمهما الله تعالى ورضي عنهما، والاستفهام في معنى النفي أي لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى الله * (وعمل صالحا) * أي عملا صالحا أي عمل صالح كان.
وقال أبو أمامة: صلى بين الأذان والإقامة، ولا يخفى ما فيه، وقال عكرمة: صلى وصام، وقال الكلبي: أدى العرائض والحق العموم * (وقال إنني من المسلمين) * أي تلفظ بذلك ابتهاجا بأنه منهم وتفاخرا به مع قصد الثواب إذ هو لا ينافيه أو جعل واتخذ الإسلام دينا له من قولهم: هذا قول فلان أي مذهبه ومعتقده، وبعضهم يرجع الوجهين إلى وجه واحد، والمعنى على القول بكون الآية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم