ذلك بمقتضى الأدلة العقلية على بطلان تقدم المراد على الإرادة عقلا، ومثل هذا يقال في قوله تعالى: * (ولا يرضى لعباده الكفر) * أي لا يجازي الكافر مجازاة المرضى عنه بل مجازاة المغضوب عليه من النكال والعقوبة انتهى.
لا يقال: حيث كان قوله تعالى: * (فإن الله غني عنكم) * جزاء باعتبار الأخبار كما أشير إليه فيما سلف فليكن قوله تعالى * (يرضه لكم) * جزاء بذلك الاعتبار فحينئذ لا يلزم أن يكون نفس الرضا مؤخرا لأنا نقول: مثل هذا الاعتبار شائع في الجملة الاسمية المتحقق مضمونها قبل الشرط نحو * (وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) * (الأنعام: 17) وفي الفعل الماضي إذا وقع جزاء نحو * (إن يسرق فقد شرق أخ له من قبل) * (يوسف: 77) وأما في الفعل المضارع فليس كذلك والذوق السليم يأبى هذا الاعتبار فيه ومع هذا أي حاجة تدعو إلى ذلك هنا ولا أراها إلا نصرة الباطل والعياذ بالله تعالى، ثم أنه يعلم من مجموع ما قدمنا حقية ما قالوا من أنه لا تلازم بين الإرادة والرضا كما أن الرضا ليس عبارة عن حقيقة الإرادة لكن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم قسما الإرادة إلى قسمين تكوينية وشرعية، وذكرا أن المعاصي كالكفر وغيره واقعة بإرادة الله تعالى التكوينية دون إرادته سبحانه الشرعية وعلى هذا فالرضا لا ينفك عن الإرادة الشرعية فكل مراد لله تعالى بالإرادة الشرعية مرضى له سبحانه وهذا التقسيم لا أتعقله إلا أن تكون الإرادة الشرعية هي الإرادة التي يرتضي المراد بها فتدبر هذا، وقرأ ابن كثير. ونافع في رواية، وأبو عمرو. والكسائي * (يرضه) * باشباع ضمة الهاء، والقاعدة في أشباع الهاء وعدمه أنها إن سكن ما قبلها لم تشبع نحو عليه وإليه وإن تحرك أشبعت نحو به وغلامه وههنا قبلها ساكن تقديرا وهو الألف المحذوفة للجازم فإن جعلت موجودة حكما لم تشبع كما في قراءة ابن عامر. وحفص وإن قطع النظر عنها أشبعت كما في قراءة من سمعت وهذا هو الفصيح وقد تشبه وتختلس في غير ذلك وقد يحسن أشباعها مع فقد الشرط لنكتة، وقرأ أبو بكر * (يرضه) * بسكون الهاء ولم يرضه أبو حاتم وقال: هو غلط لا يجوز، وفيه أنه لغة لبني كلاب، وبني عقيل إجراء للوصول مجرى الوقف.
* (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * بيان لعدم سراية كفر الكافر إلى غيره، وقد تقدم الكلام في هذه الجملة وكذا في قوله تعالى: * (ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور) * فتذكر.
* (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسى ما كان يدعوإليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحابالنار) *.
* (وإذا مس الإنسان ضر) * من مرض وغيره من المكاره * (دعا ربه منيبا إليه) * راجعا ممن كان يدعوه في حالة الرخاء من دون الله عز وجل لعلمه بأنه بمعزل من القدرة على كشف ضره وهذا وصف للجنس بحال بعض أفراده كقوله تعالى: * (إن الإنسان لظلوم كفار) * (إبراهيم: 34)، واستظهر أبو حيان أن المراد بالإنسان جنس الكافر، وقيل: هو معين كعتبة بن ربيعة * (ثم إذا خوله نعمة منه) * أي أعطاه نعمة عظيمة من جنابه من الخول بفتحتين وهو تعهد الشيء أي الرجوع إليه مرة بعد أخرى واطلق على العطاء لما إن المعطي الكريم يتعهد من هو ربيب احسانه ونشو امتنانه بتكرير العطاء عليه مرة بعد أخرى، وقال بعضهم: معنى دخولة) * في الأصل أعطاه خولا بفتحتين أي عبيدا وخدما أو أعطاه ما يحتاج إلى تعهده والقيام عليه ثم عمم لمطلق العطاء، وجوز الزمخشري كونه من خال يخول خولا بسكون الواو إذا افتخر، واعترض بأنه صرح في الصحاح أن خال بمعنى افتخر يائي والخيلاء بمعنى التكبر يدل عليه دلالة بينة، وأيضا خول متعد إلى مفعولين وأخذه منه لا يقضي أن يتعدى للمفعول الثاني. وأجيب عن الأول بأن الزمخشري من أئمة النقل وقد ثبت عنده وأصله من الخال الذي هو العلامة، وقد نقل