الزمخشري لذلك لم يحم حول هذا الوجه واقتصر على ما حكيناه أولا مع أن ما قلناه أقرب منه فليحفظ.
* (وعد الله) * مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله فإنه وعد أي وعد * (لا يخلف الله الميعاد) * لما في خلفه من النقص المستحيل عليه عز وجل.
* (ألم تر أن الله أنزل من السمآء مآء فسلكه ينابيع فى الارض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن فى ذلك لذكرى لاولى الالباب) *.
* (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء) * استئناف وارد إما لتمثيل الحياة الدنيا في سرعة الزوال وقرب الاضمحلال بما ذكر من أحوال الزرع تحذيرا من الاغترار بزهرتها أو للاستشهاد على تحقق الموعود من الأنهار الجارية من تحت الغرف بما يشاهد من إنزال الماء من السماء وما يترتب عليه من آثار قدرته سبحانه وإحكام حكمته ورحمته، والمراد بالماء المطر وبالسماء جهة العلو، وقيل: الأجرام العلوية وكون إنزال المطر منها باعتبار أنه بأسباب ناشئة منها فإن تصاعد الأبخرة وتكون الغيوم بسبب جذب الشمس واختلاف أوضاعها ونحو ذلك من الأسباب التي يعلمها الله تعالى، وأما كون إنزال المطر نفسه من جرم السماء المعروفة نفسها فكثير ما يرتفع سحاب ويمطر مطرا غزيرا وهناك من هو على ذروة جبل لا سحاب عنده ولا مطر والتزام أن المطر في ذلك نازل من جرم السماء أيضا على السحاب لكن لا يشاهده من هو مشرف على السحاب وواقف فوق الجبل لا يخفى حاله؛ وقيل: المراد بالماء كل ماء في الأرض، والمراد بالإنزال المذكور الإنزال في مبدأ الخليقة وذلك أنه عز وجل لما خلق الأرض خلقها خالية من الماء فأنزل من بحر تحت العرش ماء * (فسلكه) * فأدخله * (ينابيع في الأرض) * أي في ينابيع أي عيون ومجاري كائنة في الأرض كالعروق في الأجساد فعلى الأول: يقتضي ظاهر الآية أن ماء العيون والقنوات من ماء المطر وعلى الثاني: ليس منه، وشاع عن الفلاسفة أن ماء العيون وما جرى مجراها من الأبخرة قالوا: إن البخار إذا احتبس في الأرض يميل إلى جهة وتبرد بها فتنقلب مياه مختلطة بأجزاء بخارية فإذا كثر بحيث لا تسعه الأرض أوجب انشقاقها فانفجر منها العيون، ورده أبو البركات البغدادي فقال في " المعتبر ": السبب في العيون وما يجري مجراها هو ما يسيل من الثلوج ومياه الأمطار لأنا نجدها تزيد بزيادتها وتنقص بنقصانها وأن استحالة الأهوية والأبخرة المنحصرة في الأرض لا مدخل لها في ذلك فإن باطن الأرض في الصيف أشد بردا منه في الشتاء فلو كان سبب هذه استحالتها لوجب أن تكون العيون والقنوات ومياه الآبار في الصيف أزيد وفي الشتاء أنقص مع أن الأمر بخلاف ذلك على ما دلت عليه التجربة، وقال الميبدي: الحق أن السبب الذي ذكره صاحب المعتبر معتبر لا محالة إلا أنه غير مانع من اعتبار السبب الذي ذكر يعني ما شاع، واحتجاجه في المنع إنما يدل على أنه لا يجوز أن يكون ذلك هو السبب التام لا على أنه لا يجوز أن يكون ذلك سببا في الجملة اه. وفي شرح المواقف اختلفوا في أن المياه متولدة من أجزاء مائية متفرقة في عمق الأرض إذا اجتمعت أو من الهواء البخاري الذي ينقلب ماء. وهذا الثاني وإن كان ممكنا إلا أن الأول أولى لأن مياه العيون والقنوات والآبار تزيد بزيادة الثلوج والأمطار، والأولى عندي أن يحمل الماء في الآية على المطر ونحوه من الثلج، والآية تدل على أن ذلك الماء يسلكه الله تعالى في ينابيع في الأرض ولا تدل على أن ما في الينابيع ليس إلا ذلك الماء فيجوز أن يكون بعض ما فيها هو الماء المنزل من السماء والبعض الآخر حادثا من الهواء البخاري بانقلابه ماء بأسباب يعلمها الله عز وجل، وحمل الإنزال على الإنزال في مبدأ الخليقة على ما سمعت مع كونه مما لم أقف