في الآخرة ولو قيد بالحال لم يلائم على ما لا يخفى، وحق قوله تعالى: * (وأرض الله واسعة) * على هذا أن يكون اعتراضا إزاحة لما قد يختلج في بعض النفوس من خلاف ذلك الجزاء بواسطة اختلاف الهواء والتربة وغير ذلك مما يؤدي إلى آفات في البدن فقيل وأرض الله تعالى واسعة فلا يعدم أحد محلا يناسب حاله فليتحول عنه إليه إن لم يلائمه ثم يكون فيه تنبيه على أن من جعل الأرض ذات الطول والعرض قطعا متجاورات تكميلا لانتعاشهم وارتياشهم يجب أن تقابل نعمه بالشكر ليعدوا من المحسنين ثم قيل: * (إنما يوفى الصابرون) * أي توفية الأجر لهؤلاء المحسنين إنما يكون في الآخرة والذي نالوه في الدنيا عاجل حظهم وأما الأجر الموفى بغير حساب فذلك للصابرين، ومن سلبناه تلك العاجلة تمحيصا له وتقريبا وفي ذلك تسلية لأهل البلاء وتنشيط للعباد على مكابدة العبادات وتحريض على ملازمة الطاعات ثم قال: وهذا أيضا وجه حسن دقيق والرجحان للأول من وجوه.
أحدها: أن الاعتراض لإزاحة العلة في التفريط أظهر لأنه المقصود من السياق على ما يظهر من قوله تعالى: * (اتقوا ربكم) *. الثاني: أنه المطابق لما ورد في التنزيل من نحو * (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها - إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) *. الثالث: أن تعلق الظرف بالمذكور المتقدم هو الوجه ما لم يصرف صارف.
الرابع: أنه على ذلك التقدير ليس بمطرد ولا أكثري فإن الحسنة بذلك المعنى في شأن المخالفين أتم والقول بأنها استدراج في شأنهم لا حسنة ليس بالظاهر فقد قال سبحانه: * (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه) * انتهى، ولعمري أن ما رجحه بالترجيح حقيق وما استحسنه واستدقه ليس بالحسن ولا الدقيق، والذي نقله الطبرسي عن السدي تفسير الحسنة في الدنيا بالثناء الحسن والذكر الجميل والصحة والسلامة، وفسرها بعضهم بولاية الله تعالى وعليه فليس للمخالفين منها نصيب، وفي الآية أقوال أخر فعن عطاء أرض الله تعالى المدينة قال أبو حيان: فعلى هذا يكون * (أحسنوا) * هاجروا و * (حسنة) * راحة من الأعداء، وقال قوم: أرض الله تعالى الجنة، وتعقبه ابن عطية بأنه تحكم لا دليل عليه.
وقال أبو مسلم: لا يمتنع ذلك لأنه تعالى أمر المؤمنين بالتقوى ثم بين سبحانه أنه من اتقى له في الآخرة الحسنة وهي الخلود في الجنة ثم بين جل شأنه أن أرض الله واسعة لقوله تعالى: * (وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء) * (الزمر: 74) وقوله تعالى: * (وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) * (آل عمران: 133) والرجحان لما سمعت أولا، واختير فيه شمول الحسنة لحسنات الدنيا والآخرة، والمراد بالإحسان الإتيان بالأعمال الحسنة القلبية والقالبية، قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيره في حديث جبريل عليه السلام: " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " والآية على ما في بعض الآثار نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة وفيها من الدلالة على فضل الصابرين ما فيها * (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين) * أي من كل ما يخل به من الشرك والرياء وغير ذلك؛ أمر عليه الصلاة والسلام ببيان ما أمر به نفسه من الإخلاص في عبادة الله عز وجل الذي هو عبارة عما أمر به المؤمنون من التقوى مبالغة في حثهم على الإتيان بما كلفوه وتمهيدا لما يعقبه مما خوطب به المشركون.
وعدم التصريح بالآمر لتعين أنه الله عز وجل، وقيل: للإشارة إلى أن هذا الأمر مما ينبغي امتثاله سواء صدر منه تعالى أم صدر من غيره سبحانه.
* (وأمرت لان أكون أول المسلمين) *.
* (وأمرت لأن أكون أول المسلمين) * أي وأمرت بذلك لأجل أن أكون