تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٤٠
* (ألا لله الدين الخالص) * (الزمر: 3) على ما تحقق وجهه وقد نقلناه نحن عنه فيما مر، ثم لما ذكر بعده عظيم ما نسبوا إليه سبحانه: من الشرك والأولاد وما دل على تنزهه تعالى بالألوهية ناسب أن يذيله بقوله تعالى: * (ألا هو العزيز الغفار) * (الزمر: 5) للتوكيد المذكور، وقد آثر هذا العلامة الطيبي ويعلم مما ذكرنا وجه رجحان الأول اه‍، والوجه الثاني من وجهي المناسبة على الوجه الأول أولى الوجهين، والآية على ما ذكره البعض يجوز ارتباطها بما عندها من الخلق والتكوير والتسخير [بم وقوله تعالى:
* (خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الانع‍ام ثم‍انية أزواج يخلقكم فى بطون أمه‍اتكم خلقا من بعد خلق فى ظلم‍ات ثل‍اث ذلكم الله ربكم له الملك لاإل‍اه إلا هو فأنى تصرفون) *.
* (خلقكم من نفس واحدة) * الخ دليل آخر على الوحدة والقهر.
وترك عطفه على * (خلق السموات) * للإيذان باستقلاله في الدلالة ولتعلقه بالعالم السفلي، والبداءة بخلق الإنسان لأنه أقرب وأعجب بالنسبة إلى غيره باعتبار ما فيه من العقل وقبول الأمانة الإلهية وغير ذلك حتى قيل: وتزعم أنك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر والمراد بالنفس آدم عليه السلام، وقوله تعالى: * (ثم جعل منها زوجها) * أي حواء فإنها خلقت من قصيري ضلعه عليه السلام اليسرى وهي أسفل الأضلاع على معنى أنها خلقت من بعضها أو خلقت منها كلها وخلق الله تعالى لآدم مكانها عطف على محذوف هو صفة ثانية لنفس أي من نفس واحدة خلقها ثم جعل منها زوجها، أو على * (واحدة) * لأنه في الأصل اسم مشتق فيجوز عطف الفعل عليه كقوله تعالى: * (فالق الأصباح وجعل الليل سكنا) * ويعتبر ماضيا لأن اسم الفاعل قد يكون للمضي إذا لم يعمل أي من نفس وحدت ثم جعل منها زوجها ورجح بسلامته من التقدير الذي هو خلاف الأصل أو على * (خلقكم) * لتفاوت ما بينهما في الدلالة فإنهما وإن كانتا آيتين دالتين على ما مر من الصفات الجليلة لكن خلق حواء من الضلع أعظم وأجلب للتعجب ولذا عبر بالجعل دون الخلق فثم للتراخي الرتبي، ويجوز فيه كون الثاني أعلى مرتبة من الأول وعكسه، وقيل إنه تعالى أخرج ذرية آدم عليه السلام من ظهره كالذر ثم خلق منه حواء فالمراد بخلقهم منه إخراجهم من ظهره كالذر فالعطف على * (خلقكم) * وثم على ظاهرها، وهذا لا يقبل إلا إذا صح مرفوعا أو في حكمه، وقد تضمنت الآية ثلاث آيات خلق آدم عليه السلام بلا أب وأم وخلق حواء من قصيراه وخلق ذريته التي لا يحصى عددها إلا الله عز وجل، وقوله تعالى: * (وأنزعل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) * استدلال بنوع آخر من العالم السفلي، والإنزال مجاز عن القضاء والقسمة فإنه تعالى إذا قضى وقسم أثبت ذلك في اللوح المحفوظ ونزلت به الملائكة الموكلة بإظهاره، ووصفه بالنزول مع أنه معنى شائع متعارف كالحقيقة والعلاقة بين الإنزال والقضاء الظهور بعد الخفاء ففي الكلام استعارة تبعية، وجوز أن يكون فيه مجاز مرسل، ويجوز أن يكون التجوز في نسبة الإنزال إلى الأنعام والمنزل حقيقة أسباب حياتها كالأمطار ووجه ذلك الملابسة بينهما، وقيل يراد بالأزواج أسباب تعيشها أو يجعل الإنزال مجازا عن إحداث ذلك بأسباب سماوية وهو كما ترى، وقيل الكلام على ظاهره والله تعالى خلق الأنعام في الجنة ثم أنزلها منها ولا أرى لهذا الخبر صحة، والأنعام الإبل والبقر والضان والمعز وكانت ثمانية أزواج لأن كلا منها ذكر وأنثى، وتقديم الظرفين على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاعتناء بما قدم والتشويق إلى ما أخر، وقوله تعالى: * (يخلقكم في بطون أمهاتكم) * بيان لكيفية خلق من ذكر من الأناسي والأنعام إظهارا لما فيه من عجائب القدرة، وفيه تغليبان تغليب أولى العقل على غيرهم وتغليب الخطاب
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»