تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٨٣
حملا على المكسورة كالزمخشري لم يدع الأطرد فليس المقصود ههنا قصر الفتة عليه عليه السلام لأنه يقتضي انفصال الضمر، ولا قصر ما فعل به على الفعل لأن كل فعل ينحل إلى عام وخاص فمعنى ضربته فعلت ضربه على أن المعنى ما فعلنا به إلا الفتنة كما قال أبو السعود لأنه على ما قيل تعسف وإلغاز، ومن يدعي الأطراد يلتزم الثاني من القصرين المنفيين ويمنع كون ما ذكر تعسفا وإلغازا.
وقرأ عمر بن الخطاب. وأبو رجاء. والحسن بخلاف عنه * (فتناه) * بتشديد التاء والنون مبالغة، والضحاك * (افتناه) * كقوله على ما نقله الجوهري عن أبي عبيدة: لئن فتنتني لهي بالأمس افتنت * سعيدا فأمسى قد غوى كل مسلم وقتادة. وأبو عمرو في رواية * (أنما فتناه) * بضمير التثنية وهو راجع إلى الخصمين * (فاستغفر ربه) * إثر ما علم أن ما صدر عنه ذنب * (وخر راكعا) * أي ساجدا على أن الركوع مجاز عن الجسود لأنه لا فضائه إليه جعل كالسبب ثم تجوز به عنه أو هو استعارة لمشابهته له في الانحناء والخضوع والعرب تقول نخلة راكعة ونخلة ساجدة، وقال الشاعر: فخر على وجهه راكعا * وتاب إلى الله من كل ذنب وقيل أي خر للسجود راكعا أي مصليا على أن الركوع بمعنى الصلاة لاشتهار التجوز به عنها، وتقدير متعلق لخر يدل عليه غلبة فحواه لأنه بمعنى سقط على الأرض كما في قوله تعالى: * (فخر عليهم السقف من فوقهم) * (النحل: 26).
وقال الحسين بن الفضل: أي خر من ركوعه أي سجد بعد إن كان راكعا، وظاهره إبقاء الركوع على حقيقته وجعل خر بمعني سجد. والجمهور على ما قدمنا، واستشهد به أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وأصحابه على أن الركوع يقوم مقام السجود في سجدة التلاوة وهو قول الخطابي من الشافعية ولا فرق في ذلك بين الصلاة وخارجها كما في البزازية وغيرها. وفي الكشف قالوا أي الحنفية: إن القياس يقتضي أن يقوم الركوع مقام السجود لأن الشارع جعله ركوعا وتجوز بأحدهما عن الآخر لقيامه مقامه وإغنائه غناءه.
وأيدوه بأن السجود لم يؤمر به لعينه ولهذا لم يشرع قربة مقصودة بل للخضوع وهو حاصل بالركوع * (فإن قلت) *: إن سجدة داود عليه السلام كانت سجدة شكر والكلام في سجدة التلاوة قلت: لا علي في ذلك لأني لم أستدل بفعل داود عليه السلام بل بجعل الشارع إياه مغنيا غناء السجود، ولأصحابنا يعني الشافعية أن يمنعوا أن علاقة المجاز ما ذكروه بل مطلق الميل عن الخصوع المشترك بينهما أو لأنه مقدمته كما قال الحسن: لا يكون ساجدا حتى يركع أو خر مصليا والمعتبر غاية الخضوع وليست في الركوع اه‍. ولا يخفى أن المعروف من النبي صلى الله عليه وسلم السجود ولم نقف في خبر على أنه عليه الصلاة والسلام ركع للتلاوة بدله ولو مرة وكذا أصحابه رضي الله تعالى عنهم، وليس أمر القياس المذكور بالقوى فالأحوط فعل الوارد لا غير بل قال بعض الشافعية: إن قول الأصحاب لا يقوم الركوع مقام السجدة ظاهر في جواز الركوع وهو بعيد والقياس حرمته، وعني صاحب الكشف بما ذكر في السؤال من أن سجدة داود عليه السلام كانت سجدة شكر أنها كانت كذلك من نبينا صلى الله عليه وسلم فقد أخرج النسائي. وابن مردويه بسند جيد عن ابن عباس أن النبي
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»