تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٨١
كان أفصح مني وإن حارب كان أبطش مني، وقال ابن عطية: كان أوجه مني وأقوى فإذا خاطبته كان كلامه أقوى من كلامي وقوته أعظم من قوتي، وقيل: أي غلبني في مغالبته إياي في الخطبة على أن الخطاب من خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطابا أي غالبني في الخطبة فغلبني حيث زوجها دوني، وهو قول من يجعل النعجة مستعارة، وتعقبه صاحب الكشف فقال: حمل الخطاب على المغالبة في خطبة النساء لا يلائم فصاحة التنزيل لأن التمثيل قاصر عنه لنبو قوله: * (ولي نعجة) * عن ذلك أشد النبوة وكذا قوله: * (أكفلنيها) * إذ ينبغي على ذلك أن يخاطب به ولي المخطوبة إلا أن يجعل الأول مجازا عما يؤول إليه الحال ظنا والشرط في حسنه تحقق الانتهاء كما في * (أعصر خمرا) * والثاني مجاز عن تركه الخطبة، ولا يخفى ما فيهما من التعقيد، ثم إنه لتصريحه ينافي الغرض من التمثيل وهو التنبيه على عظم ما كان منه عليه السلام وأنه أمر يستحي من كشفه مع الستر عليه والاحتفاظ بحرمته انتهى فتأمل.
وقرأ أبو حيوة. وطلحة * (وعزني) * بتخفيف الزاي، قال أبو الفتح: حذفت إحدى الزائين تخفيفا كما حذفت إحدى السينين في قول أبي زيد: أحسن به فهن إليه شوس وروي كذلك عن عاصم.
وقرأ عبد الله. وأبو وائل. ومسروق. والضحاك. والحسن. وعبيد بن عمير * (وعازني) * بألف بعد العين وتشديد الزاي أي وغالبني.
* (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطآء ليبغىبعضهم على بعض إلا الذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتن‍اه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب) *.
* (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) * جواب قسم محذوف قصد به المبالغة في إنكار فعل ذي النعجات الكثيرة وتهجين طمعه، وليس هذا ابتداء من داود عليه السلام إثر فراغ المدعى من كلامه ولا فتيا بظاهر كلامه قبل ظهور الحال لديه فقيل: ذلك على تقدير * (لقد ظلمك) * إن كان ما تقول حقا؛ وقيل ثم كلام محذوف أي فاقر المدعى عليه فقال * (لقد ظلمك) * الخ ولم يحك في القرآن اعتراف المدعى عليه لأنه معلوم من الشرائع كلها انه لا يحكم الحاكم إلا بعد إجابة المدعى عليه، وجاء في رواية أنه عليه السلام لما سمع كلام الشاكي قال للآخر ما تقول فاقر فقال له: لترجعن إلى الحق أو لأكسرن الذي فيه عيناك، وقال للثاني: * (لقد ظلمك) * الخ فتبسما عند ذلك وذهبا ولم يرهما لحينه، وقيل: ذهبا نحو السماء بمرأى منه، وقال الحليمي: إنه عليه السلام رأى في المدعى مخايل الضعف والهضيمة فحمل أمره على أنه مظلوم كما يقول فدعاه ذلك إلى أن لا يسأل المدعي عليه فاستعجل بقوله: * (لقد ظلمك) * ولا يخفى أنه قول ضعيف لا يعول عليه لأن مخايل الصدق كثيرا ما تظهر على الكاذب والحيلة أكثر من أن تحصى قديما وحديثا؛ وفيما وقع من إخوة يوسف عليه السلام ولم يكونوا أنبياء على الأصح ما يزيل الاعتماد في هذا الباب، وبعض الجهلة ذهب إلى نحو هذا، وزعم أن ذنب داود عليه السلام ما كان إلا أنه صدق أحدهما على الآخر وظلمه قبل مسألته، والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله وتعديته إلى مفعول آخر بإلى لتضمنه معنى الإضافة كأنه قيل: * (لقد ظلمك) * بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب أو لقد ظلمك بسؤال نعجتك مضافة إلى نعاجه * (وإن كثيرا من الخلطاء) * أي الشركاء الذي خلطوا أموالهم الواحد خليط وهي الخلطة وقد غلبت في الماشية وفي حكمها عند الفقهاء كلام ذكر بعضا منه الزمخشري * (ليبغي) * ليتعدى * (بعضهم على بعض) * غير مراع حق الشركة والصحبة.
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»