تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٧٩
حتى ترك بعضهم الاستئذان فيكون في الحقيقة فزعا من فساده السيرة لا من الداخلين، وقال أبو الأحوص: فزع منهم لأنهما دخلا عليه وكل منهما آخذ برأس صاحبه، وقيل: فزع منهم لما رأى من تسورهم موضعا مرتفعا جدا لا يمكن أن يرتقي إليه بعد أشهر مع أعوان وكثرة عدد، والظاهر أن فزعه ليس إلا لتوقع الأذى لمخالفة المعتاد فلما رأوه قد فزع * (قالوا لا تخف) * وهو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية فزعه عليه السلام كأنه قيل: فماذا قالوا عند مشاهدتهم فزعه؟ فقيل: قالوا له إزالة لفزعه لا تخف * (خصمان) * خبر مبتدأ محذوف أن نحن خصمان، والمراد هنا فوجان لا شخصان متخاصمان وقد تقدم أن الخصم يشمل الكثير فيطابق ما مر من جمع الضمائر، ويؤيده على ما قيل قوله سبحانه: * (بغى بعضنا على بعض) * فإن نحو هذا أكثر فيطابق استعمالا في قول الجماعة، وقراءة بعضهم * (بغى بعضهم على بعض) * أظهر في التأييد، ولا يمنع ذلك كون التحاكم إنما وقع بين اثنين لجواز أن يصحب كلا منهما من يعاضده والعرف يطلق الخصم على المخاصم ومعاضده وإن لم يخاصم بالفعل، وجوز أن يكون المراد اثنين والضمائر المجموعة مراد بها التثنية فيتوافقان وأيد بقوله سبحانه * (إن هذا أخي) * (ص: 23) وقيل: يجوز أن يقدر خصمان مبتدأ خبره محذوف أي فينا خصمان وهو كما ترى، والظاهر أن جملة * (بغي) * الخ في موضع الصفة لخصمان وأن جملة نحن خصمان الخ استئناف في موضع التعليل للنهي فهي موصولة بلا تخف، وجوز أن يكونوا قد قالوا لا تخف وسكتوا حتى سألوا ما أمركم؟ فقالوا: خصمان بغي الخ أي جار بعضنا على بعض، واستشكل قولهم هذا على القول بأنهم كانوا ملائكة بأنه إخبار عن أنفسهم بما لم يقع منهم وهو كذب والملائكة منزهون عنه. وأجيب بأنه إنما يكون كذبا لو كانوا قصدوا به الأخبار حقيقة أما لو كان فرضا لأمر صوروه في أنفسهم لما أتوا على صورة البشر كما يذكر العالم إذا صور مسألة لأحد أو كان كناية وتعريضا بما وقع من داود عليه السلام فلا، وقرأ أبو يزيد الجرار عن الكسائي * (خصمان) * بكسر الخاء.
* (فاحكم بيننعا بالحق ولا تشطط) * أي ولا تتجاوزه، وقرأ أبو رجاء. وابن أبي عبلة وقتادة. والحسن. وأبو حيوة * (ولا تشطط) * من شط ثلاثيا أي ولا تبعد عن الحق، وقرأ قتادة أيضا * (تشط) * مدغما من أشط رباعيا، وقرأ زر * (تشاطط) * بضم التاء وبألف على وزن تفاعل مفكوكا، وعنه أيضا * (تشطط) * من شطط، والمراد في الجميع لا تجر في الحكومة وأرادوا بهذا الأمر والنهي إظهار الحرص على ظهور الحق والرضا به من غير ارتياب بأنه عليه السلام يحكم بالحق ولا يجوز في الحكم وأحد الخصمين قد يقول نحو ذلك للإيماء إلى أنه المحق وقد يقوله اتهاما للحاكم وفيه حينئذ من الفظاظة ما فيه؛ وعلى ما ذكرنا أولا فيه بعض فظاظة، وفي تحمل داود عليه السلام لذلك منهم دلالة على أنه يليق بالحاكم تحمل نحو ذلك من المتخاصمين لا سيما إذا كان ممن معه الحق فحال المرء وقت التخاصم لا يخفى.
والعجب من حاكم أو محكم أو من للخصوم نوع رجوع إليه كالمفتي كيف لا يقتدي بهذا النبي الأواب عليه الصلاة والسلام في ذلك بل يغضب كل الغضب لأدنى كلمة تصدر ولو فلتة من أحد الخصمين يتوهم منها الحط لقدره ولو فكر في نفسه لعلم أنه بالنسبة إلى هذا النبي الأواب لا يعدل والله العظيم متك ذباب، اللهم وفقنا لأحسن الاخلاق واعصمنا من الاغلاط * (واهدنا إلى سواء الصراط) * أي وسط طريق الحق بزجر الباغي عما سلكه من طريق الجور وإرشاده إلى منهاج العدل.
* (إن هذآ أخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزنى فى الخطاب) *.
* (إن ه‍اذا أخي) * الخ استئناف لبيان ما فيه الخصومة، والمراد
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»