الخلافة نعمة عظيمة شكرها العدل. وفي " البحر " أن هذا أمر بالديمومة وتنبيه غليره ممن ولي أمور الناس أن يحكم بينهم بالحق وإلا فهو من حيث أنه معصوم لا يحكم إلا بالحق، وعلى نحو هذا يخرج النهي عندي في قوله سبحانه وتعالى: * (ولا تتبع الهوى) * فإن اتباع الهوى مما لا يكاد يقع من المعصوم. وظاهر السياق أن المراد ولا تتبع هوى النفس في الحكومات، وعمم بعضهم فقال: أي في الحكومات وغيرها من أمور الدين والدنيا.
وأيد بهذا النهي ما قيل إن ذنبه عليه السلام المبادرة إلى تصديق المدعي وتظليم الآخر قبل مساءلته لا الميل إلى امرأة أوريا فكأنه قيل ولا تتبع الهوى في الحكم كما اتبعته أولا، وفيه أن اتباع الهوى وحكمه بغير ما شرع الله تعالى له غير مناسب لمقامه لا سيما وقد أخبر الله تعالى قبل الإخبار بمسألة المتحاكمين أنه أتاه الحكم وفصل الخطاب فليس هذا إلا إرشادا لما يقتضيه منصب الخلافة وتنبيها لمن هو دونه عليه السلام، وأصل الهوى ميل النفس إلى الشهوة، ويقال للنفس المائلة إليها ويكون بمعنى المهوى كما في قوله: هواي مع الركب اليمانين مصعد * جنيب وجثماني بمكة موثق وبه فسره هنا بعضهم فقال: أي لا تتبع ما تهوى الأنفس * (فيضلك عن سبيل الله) * بالنصب على أنه جواب النهي، وقيل هو مجزوم بالعطف على النهي مفتوح لالتقاء الساكنين أي فيكون الهوى أو اتباعه سببا لضلالك عن دلائله التي نصبها على الحق وهي أعم من الدلائل العقلية والنقلية، وصد ذلك عن الدلائل إما لعدم فهمها أو العمل بموجبها، وقوله تعالى: * (إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد) * تعليل لما قبله ببيان غائلته وإظهار سبيل الله في موضع الإضمار لزيادة التقرير والإيذان بكمال شناعة الضلال عنه، وخبر إن إما جملة * (لهم عذاب) * على أن * (لهم) * خبر مقدم وعذاب مبتدأ وأما الظرف وعذاب مرتفع على الفاعلية بما فيه من الاستقرار.
وقرأ ابن عباس. والحسن بخلاف عنهما. وأبو حيوة * (يضلون) * بضم الياء قال أبو حيان: وهذه القراءة أعم لأنه لا يضل إلا ضال في نفسه، وقراءة الجمهور أوضح لأن المرادب الموصول من أضلهم اتباع الهوى وهم بعد أن أضلهم صاروا ضالين.
وقوله تعالى: * (بما نسوا) * متعلق بالاستقرار والباء سببية وما مصدرية، وقوله سبحانه: * (يوم الحساب) * مفعول * (نسوا) * على ما هو الظاهر أي ثابت لهم ذلك العذاب بسبب نسيانهم وعدم ذكرهم يوم الحساب؛ وعليه يكون تعليلا صريحا لثبوت العذاب الشديد لهم بنسيان يوم الحساب بعد الإشعار بعلية ما يستتبعه ويستلزمه أعني الضلال عن سبيل الله تعالى فإنه مستلزم لنسيان يوم الحساب بالمرة بل هذا فرد من أفراده.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن الكلام من التقديم والتأخير أي لهم يوم الحساب عذاب شديد بما نسوا فيكون يوم الحساب ظرفا لقوله تعالى: * (لهم) * وجعل النسيان عليه مجازا عن ضلالهم عن سبيل الله بعلاقة السببية ومن ضرورته جعل مفعول النسيان سبيل الله تعالى، وعليه يكون التعليل المصرح به عين التعليل المشعر به بالذات غيره بالعنوان فتدبر.
* (وما خلقنا السمآء والارض وما بينهما باطلا ذالك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) *.
* (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) * أي خلقا باطلا فهو منصوب على النيابة عن المفعول المطلق نحو كل هنيئا أي أكلا هنيئا، والباطل ما لا حكمة فيه، وجوز كونه حالا من فاعل * (خلقنا) * بتقدير مضاف