وسلم ومرادهم من قولهم ما سمعنا الخ إنا سمعنا خلافه وهو عدم التوحيد فإن النصارى كانوا يثلثون ويزعمون أنه الدين الذي جاء به عيسى عليه السلام وحاشاه، وعن مجاهد أيضا. وقتادة أرادوا ملة العرب ونحلتها التي أدركوا عليها آباءهم، وجوز أن يكون في الملة الآخرة حالا من اسم الإشارة لا متعلقا بسمعنا أي ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه من التوحيد كائنا في الملة التي تكون آخر الزمان أرادوا أنهم لم يسمعوا من أهل الكتاب والكهان الذين كانوا يحدثونهم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بظهور نبي أن في دينه التوحيد ولقد كذبوا في ذلك فإن حديث إن النبي المبعوث آخر الزمان يكسر الأصنام ويدعو إلى توحيد الملك العلام كان أشهر الأمور قبل الظهور، وإن أرادوا على هذا المعنى إنا سمعنا خلاف ذلك فكذبهم أقبح * (إن هاذا) * أي ما هذا.
* (إلا اختلاق) * أي افتعال وافتراء من غير سبق مثل له.
* (أءنزل عليه الذكر من بيننا بل هم فى شك من ذكرى بل لما يذوقوا عذاب) *.
* (ءأنزل عليه الذكر) * أي القرآن * (من بيننا) * ونحن رؤساء الناس وأشرافهم كقولهم: * (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) * (الزخرف: 31) ومرادهم إنكار كونه ذكرا منزلا من عند الله تعالى كقولهم * (لو كان خيرا ما سبقونا إليه) * وأمثال هذه المقالات الباطلة دليل على أن مناط تكذبهم ليس إلا الحسد وقصر النظر على الحطام الدنيوي * (بل هم في شك من ذكري) * من القرآن الذي أنزلته على رسولي المشحون بالتوحيد لميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن الأدلة المؤدية إلى العلم بحقيته وليس في عقيدتهم ما يقطعون به فلذا تراهم ينسبونه إلى السحر تارة وإلى الاختلاق أخرى فبل للإضراب عن جميع ما قبله، وبل في قوله تعالى: * (بل لما يذوقوا عذاب) * إضراب عن مجموع الكلامين السابقين حديث الحسد في قوله تعالى: * (أأنزل) * الخ وحديث الشك في قوله تعالى: * (بل هم في شك) * أي لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الحسد والشك حينئذ يعني أنهم لا يصدقون إلا أن يمسهم العذاب فيضطروا إلى التصديق أو إضراب عن الإضراب قبله أي لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال شكهم واضطروا إلى التصديق بذكري، والأول على ما في " الكشف " هو الوجه السديد وينطبق عليه ما بعد من الآيات، وقيل المعنى لم يذوقوا عذابي الموعود في القرآن ولذلك شكوا فيه وهو كما ترى " وفي التعبير بلما دلالة على أن ذوقهم العذاب على شرف الوقوع [بم وقوله تعالى:
* (أم عندهم خزآئن رحمة ربك العزيز الوهاب) *.
* (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب) * في مقابلة قوله سبحانه: * (أأنزل) * الخ، ونظيره في رد نظيره * (أهم يقسمون رحمة ربك) * (الزخرف:
32) وأم منقطعة مقدرة ببل والهمزة، والمراد بالعندية الملك والتصرف لا مجرد الحضور.
وتقديم الظرف لأنه محل الإنكار أي بل أيملكون خزائن رحمته تعالى ويتصرفون فيها حسبما يشاؤن حتى أنهم يصيبون بها من شاؤا ويصرفونها عمن شاؤا ويتحكمون فيها بمقتضى رأيهم فيتخيروا للنبوة بعض صناديدهم.
وإضافة الرب إلى ضميره صلى الله عليه وسلم للتشريف واللطف به عليه الصلاة والسلام، والعزيز القاهر على خلقه، والوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها، وحديث العزة والقهر يناسب ما كانوا عليه من ترفعهم بالنبوة عنه صلى الله عليه وسلم تجبرا.
والمبالغة في الوهاب من طريق الكمية تناسب قوله تعالى: * (خزائن) * وتدل على حرمان لهم عظيم، وفي ذلك إدماج أن النبوة ليست عطاء واحدا بالحقيقة بل يتضمن عطايا جمة تفوت الحصر وهي من طريق الكيفية المشار إليها بإصابة المواقع للدلالة على أن مستحق العطاء ومحله من وهب ذلك وهو النبي صلى الله عليه وسلم وفي الوصف المذكور