بالأيد القوة الدينية وهي القوة على العبادة كما قال مجاهد. وقتادة. والحسن. وغيرهم إذ لا يحسن التعليل لو حملت القوة على القوة في الجسم، نعم قد كان عليه السلام قوي الجسم أيضا إلا أن ذلك غير مراد هنا؛ وفي التعبير عنه بعبدنا ووصفه بذي الأيد والتعليل بما ذكر دلالة على كثرة عبادته ووفور طاعته.
وقد أخرج البخاري في تاريخه عن أبي الدرداء قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر داود وحدث عنه قال: كان أعبد البشر، وأخرج الديلمي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لأحد أن يقول إني أعبد من داود، وروي أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما وكان يقوم نصف الليل وفي ذلك دلالة على قوته في العبادة لما في كل من الصيام والقيام المذكورين من ترك راحة تذكرها قريبا.
* (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق) *.
* (إنا سخرنا الجبال معه) * استئناف لبيان قصته عليه السلام، وجوز كونه لتعليل قوته في الدين وأوا بيته إلى الله عز وجل، ومع متعلقة بسخر، وإيثارها على اللام لأن تسخير الجبال له عليه السلام لم يكن بطريق تفويض التصرف الكلي فيها إليه كتسخير الريح وغيرها لسليمان عليه السلام بل بطريق الاقتداء به في عبادة الله تعالى.
وأخر الظرف المذكور عن * (الجبال) * وقدم في سورة الأنبياء فقيل: * (وسخرنا مع داود الجبال) * (الأنبياء: 79) قال بعض الفضلاء: لذكر داود. وسليمان ثمت فقدم مسارعة للتعيين ولا كذلك هنا، وجوز تعلقها بقوله تعالى: * (يسبحن) * وهو أقرب بالنسبة إلى آية الأنبياء، وتسبيحهن تقديس بلسان قال لائق بهن نظير تسبيح الحصى المسموع في كف النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: تقديس بلسان الحال وتقييد بالوقتين المذكورين بعد يأباه إذ لا اختصاص لتسبيحهن الحالي بهما وكذا لا اختصاص له بكونه معه، وقيل المعنى يسرن معه على أن يسبحن من السباحة، والجملة حال من * (الجبال) * والعدول عن مسبحات مع أن الأصل في الحال الأفراد للدلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال نظير ما في قول الأعشى: لعمري لقد لاحت عيون كثيرة * إلى ضوء نار في يفاع تحرق وجوز أن تكون مستأنفة لبيان كيفية التسخير ومقابلتها بمحشورة هنا كالمعينة للحالية * (بالعشي) * هو كما قال الراغب: من زوال الشمس إلى الصباح أي يسبحن بهذا الوقت وليس ذلك نصا في استيعابه بالتسبيح * (والإشراق) * أي ووقت الإشراق، قال ثعلب: يقال شرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت إذا أضاءت وصفت فوقت الإشراق وقت ارتفاعها عن الأفق الشرقي وصفاء شعاعها وهو الضحوة الصغرى، وروي عن أم هانىء بنت أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى وقال: هذه صلاة الإشراق، وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء الخراساني أن ابن عباس قال: لم يزل في نفسي من صلاة الضحى شيء حتى قرأت هذه الآية * (يسبحن بالعشي والإشراق) * (ص: 18) وفي رواية عنه أيضا ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية، ووجه فهم الحبر إياها من الآية أي كل تسبيح ورد في القرآن فهو عنده ما لم يرد به التعجب والتنزيه بمعنى الصلاة فحيث كانت صلاة لداود عليه السلام وقصت على طريق المدح علم منه مشروعيتها. وفي " الكشف " وجهه أن الآية دلت على تخصيصه عليه السلام ذينك الوقتين بالتسبيح وقد علم من الرواية أنه كان يصلي مسبحا فيهما فحكى في القرآن ما كان عليه وإن لم يذكر كيفيته فيكون في الآية ذكر صلاة الضحى وهو المطلوب أو نقول: إن تسبيح الجبال