تعلقه بالأجسام لا الأقوال لأنها أعراض يتلاشى الأول منها قبل وجود الثاني فلا يصادف الثاني ما ينضم إليه وهذا يقتضي كونه مجازا في العقد، وإن اعتبر الضم أعم من ضم الجسم إلى الجسم والقول إلى القول جاز أن يكون النكاح حقيقة في كل من الوطء والعقد وجاز أن يكون مجازا على التفصيل المعروف في استعمال العام في كل فرد من أفراده، واختار الراغب القول الثاني من الأقوال السابقة وبالغ في عدم قبول الثالث: فقال هو حقيقة في العقد ثم استعير للجماع ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد لأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنه.
واختار الزمخشري الثالث فقال: النكاح الوطء وتسمية العقد نكاحا لملابسته له من حيث أنه طريق له ونظيره تسمية الخمر إثما لأنها سبب في اقتراف الاثم، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله تعالى إلا في معنى العقد لأنه في حق الوطء من باب التصريح به ومن آداب القرآن الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسسة والقربان والتغشي والاتيان، وأراد على ما قيل إنه في العقد حقيقة شرعية منسى فيه المعنى اللغوي، وبحث في قوله لم يرد لفظ النكاح في كتاب الله تعالى إلا في معنى العقد بأنه في قوله تعالى: * (حتى تنكح زوجا غيره) * (البقرة: 230) بمعنى الوطء وهذا ما عليه الجمهور وخالف في ذلك ابن المسيب، وتمام الكلام في موضعه، والمس في الأصل معروف وكنى به هنا عن الجماع، والعدة هي الشيء المعدود وعدة المرأة المراد بها الأيام التي بانقضائها يحل لها التزوج أي يا أيها الذين آمنوا إذا عقدتم على المؤمنات وتزوجتموهن ثم طلقتموهن من قبل أن تجامعوهن فما لكم عليهن من عدة بإيام يتربصن فيها بأنفسهن تستوفون عددها على أن تعتدون مطاوع عد يقال عد الدراهم فاعتدها أي استوفى عددها نحو قولك كلته فأكتلته ووزنته فأتزنته أو تعدونها على أن افتعل بمعنى فعل، وإسناد الفعل إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق الأزواج كما أشعر به قوله تعالى: * (فما لكم) * واعترض بأن المذكور في كتب الفروع كالهداية وغيرها أنها حق الشرع ولذا لا تسقط لو اسقطها الزوج ولا يحل لها الخروج ولو أذن لها وتتداخل العدتان ولا تداخل في حق العبد وحق الولد أيضا ولذا قال صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرىء مؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه زرع غيره " وفرعوا على ذلك أنهما لا يصدقان في ءبطالها باتفاقهما على عدم الوطء.
وأجيب بأنه ليس المراد أنها صرف حقهم بل أن نفعها وفائدتها عائدة عليهم لأنها لصيانة مياههم والأنساب الراجعة إليهم فلا ينافي أن يكون للشرع والولد حق فيها يمنع إسقاطها ولو فرض أنها صرف حقهم يجوز أن يقال: إن عدم سقوطها بإسقاطهم لا ينافي ذلك إلا إذا ثبت أن كل حق للعبد إذا أسقطه العبد سقط وليس كذلك فإن بعض حقوق العبد لا تسقط بإسقاطه كالإرث وحق الرجوع الهبة وخيار الرؤية، ثم أن في الاستدلال بالحديث على أنها حق الولد تأملا كما لا يخفى، وتخصيص المؤمنات من عموم الحكم للكتابيان للتنبيه على أن المؤمن شأنه أن يتخير لنطفته ولا ينكح إلا مؤمنة، وحاصله أنه لبيان الأخرى والأليق بعد ما فصل في البقرة نكاح الكتابيات، وفائدة المجيء بثم مع أن الحكم ثابت لمن تزوج امرأة وطلقها على الفور كثبوته لمن تزوجها وطلقها بعد مدة مديدة إزاحة ما عسى يتوهم أن تراخى الطلاق له ودخل في إيجاب العدة لاحتمال الملاقاة والجماع سرا كما أن له دخلا في النسب، ويمكن أن تكون الإشارة إلى التراخي الرتبى فإن الطلاق وإن كان مباحا لا كراهة فيه على ما قيل لقوله تعالى: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) * (البقرة: 236) غير محبوب كالنكاح من حيث أنه يؤدي إلى قطع الوصلة وحل قيد العصمة المؤدي لقلة التناسل الذي به تكثر الأمة ولهذا ورد