تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٥٣
وسلم والجواب المذكور لا يتسنى فيها، ولعل الجواب عن ذلك أنه عليه الصلاة والسلام تسراها بيانا للجواز ولا يبعد أنه كان متحققا بدء أمرها وما جرى عليها بحيث كأنه باشر سبيها وشاهده، ويحتمل أنها كانت مما أفاء الله تعالى عليه عليه الصلاة والسلام فملكتها زينب بعض أسباب الملك ثم وهبتها له صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك قد أطلق عليه الصلاة والسلام حل المملوكة بعد ولم يقيد بحسب الظاهر بكونها مما أفاء الله عليه في قوله تعالى: * (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك) *.
ثم إن هبة هذه الجارية كانت شهر وفاته صلى الله عليه وسلم والآية نزلت قبل لأنها نزلت أما سنة الأحزاب وهي السنة الخامسة من الهجرة وإما بعيد الفتح وهو السنة الثامنة منها وعلى هذا يكون ما وقع من أمر مارية متقدما على نزول الآية لأنها أهديت له صلى الله عليه وسلم السنة السابعة من الهجرة فإنه عليه الصلاة والسلام فيها أرسل رسله إلى الملوك ومنهم حاطب بن أبي بلتعة اللخمي أرسله إلى المقوقس أمير القبط المتقدم ذكره فقدم منه بمارية وبأختها شيرين وبأخ أو بابن عم لها خصي يقال له مابور وببغلة تسمى دلدلا وبحمار يسمى يعفورا أو عفيرا وبألف مثقال ذهبا وبغير ذلك فتدبر، ومثل ما ذكر على ما قيل تقييد القرائب بكونها مهاجرات معه صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه.
* (وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك) * فهن أفضل من غيرهن، والمعية للتشريك في الهجرة لا للمقارنة في الزمان كأسلمت مع سليمان، قال أبو حيان: يقال دخل فلان معي وخرج معي أي كان عمله كعملي وإن لم يقترنا في الزمان، ولو قلت: خرجنا معا اقتضى المعنيين الاشتراك في الفعل والاقتران في الزمان وهو كلام حسن، وحكى الماوردي قولا بأن الهجرة شرط في إحلال الأزواج على الإطلاق وهو ضعيف جدا. وقولا آخر بأنها شرط في إحلال قراباته عليه الصلاة والسلام المذكورات واستدل له بما أخرجه بن سعد. وعبد بن حميد. والترمذي وحسنه. وابن جرير. وابن أبي حاتم. والطبراني. والحاكم وصححه. وابن مردويه. والبيهقي عن أم هانىء فاخته بنت أبي طالب قالت: " خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني فأنزل الله تعالى: * (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك) * إلى قوله سبحانه: * (هاجرن معك) * قالت فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر معه كنت من الطلقاء " وأجيب بأن عدم الحل لفقد الهجرة إنما فهم من قول أم هانىء فلعلها إنما قالت ذلك حسب فهمها إياه من الآية وهو لا ينتهض حجة علينا إلاإذا جاءت به رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقال: إنه أخرج ابن سعد عن أبي صالح مولى أم هانىء قال: " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هانىء بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله إني مؤتمة وبنى صغار فلما أدرك بنوها عرضت نفسها عليه عليه الصلاة والسلام فقال: أما الآن فلا إن الله تعالى أنزل على * (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك - إلى - اللاتي هاجرن معك) * ولم تكن من المهاجرات وهو يدل على أنه نفسه صلى الله عليه وسلم فهم الحرمة وإلا لتزوجها لأنا نقول بعد تسليم صحة الخبر؛ لا نسلم أنه صلى الله عليه وسلم فهم الحرمة وعدم التزوج يحوز أن يكون لكونه خلاف الأفضل، ويدل خبر أم هانىء على أن هذه الآية نزلت بعد الفتح فلا تغفل. وادعى بعضهم أن تحريم نكاح غير المهاجرة عليه صلى الله عليه وسلم كان أولا ثم نسخ، وعن قتادة أن معنى * (هاجرن معك) * أسلمن معك، قيل: وعلى هذا لا يحرم عليه عليه الصلاة والسلام إلا الكافرات وهو في غاية البعد كما لا يخفى، والظاهر أن المراد بأزواجك اللاتي آتيت مهورهن
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»