تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٤٤
أشبه شيء بالنور؛ وقال ابن زيد: أي من الضلالة إلى الهدى، وقال مقاتل: من الكفر إلى الإيمان، وقيل: من النار إلى الجنة حكاه الماوردي، وقيل: من القبور إلى البعث حكاه أبو حيان وليس بشيء، واللام متعلقة بيصلي أي يعتني بكم هو سبحانه وملائكته ليخرجكم أو يترحم هو عز وجل وملائكته ليخرجكم بذلك من الظلمات إلى النور * (وكان بالمؤمنين رحيما) * اعتراض مقرر لمضمون ما قبله أي كان سبحانه بكافة المؤمنين الذين أنتم من زمرتهم كامل الرحمة ولذا يفعل بكم ما يفعل بالذات وبالواسطة أو كان بكم رحيما على أن المؤمنين مظهر وضع موضع المضمر مدحا لهم وإشعارا بعلة الرحمة، وقوله تعالى:
* (تحيتهم يوم يلقونه سل‍ام وأعد لهم أجرا كريما) *.
* (تحيتهم يوم يلقونه سلام) * بيان للأحكام الآجلة لرحمته تعالى بهم بعد بيان آثارها العاجلة من الإخراج المذكور، والتحية أن يقال: حياك الله أي جعل لك حياة وذلك إخبار ثم يجعل دعاء، ويقال حيا فلان تحية إذا قال له ذلك، وأصل هذا اللفظ من الحياة ثم جعل كل دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة أو سبب حياة إما لدنيا أو لآخرة.
وهو هنا مصدر مضاف إلى المفعول وقع مبتدأ و * (سلام) * مرادا به لفظه خبره، والمراد ما يحييهم الله تعالى به ويقوله لهم يوم يلقونه سبحانه ويدخلون دار كرامته سلام أي هذا اللفظ. روي أن الله تعالى يقول: سلام عليكم عبادي أنا عنكم راض فهل أنتم عني راضون فيقولون: بأجمعهم يا ربنا إنا راضون كل الرضا. وورد أن الله تعالى يقول: السلام عليكم مرحبا بعبادي المؤمنين الذين أرضوني في دار الدنيا باتباع أمري، وقيل: تحييهم الملائكة عليهم السلام بذلك إذا دخلوا الجنة كما قال تعالى: * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم) *.
وقيل: تحييهم عند الخروج من القبور فيسلمون عليهم ويبشرونهم بالجنة، وقيل عند الموت.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال: ربك يقرئك السلام، قيل: فعلى هذا الهاء في * (يلقونه) * كناية عن غير مذكور وهو ملك الموت، ولا ضرورة تدعو لذلك إذ لا مانع من أن يكون الضمير لله تعالى عليه كما هو كذلك على الأقوال الأخر جميعها. ولقاء الله تعالى على ما أشار إليه الإمام عبارة عن الإقبال عليه تعالى بالكلية بحيث لا يعرض للشخص ما يشغله ويلهيه أو يوجب غفلته عنه عز وجل ويكون ذلك عند دخول الجنة وفيها وعند البعث وعند الموت.
وقال الراغب: ملاقاة الله تعالى عبارة عن القيامة وعن المصير إليه عز وجل، وقال الطبرسي: هي ملاقاة ثوابه تعالى وهو غير ظاهر على جميع الأقوال السابقة بل ظاهر على بعضها كما لا يخفى، وعن قتادة في الآية أنهم يوم دخولهم الجنة يحيى بعضهم بعضا بالسلام أي سلمنا وسلمت من كل مخوف، والتحية عليه على ما قال الخفاجي مصدر مضاف للفاعل. وفي البحر هي عليه مصدر مضاف للمحيي والمحيي لا على جهة العمل لأن الضمير الواحد لا يكون فاعلا مفعولا ولكنه كقوله تعالى: * (وكنا لحكمهم شاهدين) * أي للحكم الذي جرى بينهم.
وكذا يقال هنا التحية الجارية بينهم هي سلام، وقول المحيي في ذلك اليوم سلام اخبار لادعاء لأنه أبلغ على ما قيل فتدبر، وأخرى الأقوال بالقبول عندي أن الله تعالى يسلم عليهما يوم يلقونه إكراما لهم وتعظيما.
* (وأعد لهم أجرا كريما) * أي وهيأ عز وجل لهم ثوابا حسنا، والظاهر أن التهيئة واقعة قبل دخول الجنة والتحية ولذا لم تخرج الجملة مخرج ما قبلها بأن يقال وأجرهم أجر كريم أي ولهم أجر كريم، وقيل: هي بعد الدخول والتحية فالكلام بيان لآثار رحمته تعالى الفائضة عليهم بعد دخول الجنة عقيب بيان آثار رحمته
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»