تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٣٧
كونهم أحياء بأجسادهم فإذا أراد الله تعالى رفع الحجاب عمن أراد إكرامه برؤيته رآه على هيئته التي هو عليه الصلاة والسلام عليها لا مانع من ذلك ولا داعي إلى التخصيص برؤية المثال وذهب رحمه الله تعالى إلى نحو هذا في سائر الأنبياء عليهم السلام فقال إنهم أحياء ردت إليهم أرواحهم بعد ما قبضوا وأذن لهم في الخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي وهذا الذي ذكره من الخروج من القبور ذكر أخبارا كثيرة تشهد له منها ما أخرجه إبن حبان في تاريخه والطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا ومنها ما رواه عبدالرزاق في مصنفه عن الثوري عن أبي المقدام عن سعيد بن المسيب قال: ما مكث نبي في الأرض أكثر من أربعين وأبو المقدام هو ثابت بن هرمز شيخ صالح ومنها ما ذكره إمام الحرمين في النهاية ثم الرافعي في الشرح أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث زاد إمام الحرمين وروى أكثر من يومين والذي يغلب على الظن أن رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم بعد وفاته بالبصر ليست كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض وإنما هي جمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني لا يدرك حقيقته إلا من باشره ولشدة شبه تلك الرؤية بالرؤية البصرية المتعارفة يشتبه الأمر على كثير من الرائين فيظن أنه رآه صلى الله عليه وسلم ببصره الرؤية المتعارفة وليس كذلك وربما يقال إنها رؤية قلبية ولقوتها تشتبه بالبصرية والمرئي إما روحه عليه الصلاة والسلام التي هي أكمل الأرواح تجردا وتقدسا بأن تكون قد تطورت وظهرت بصورة مرئية بتلك الرؤية مع بقاء تعلقها بجسده الشريف الحي في القبر السامي المنيف على حد ما قاله بعضهم من أن جبريل عليه السلام مع ظهوره بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام في صورة دحية الكلبي أو غيره لم يفارق سدرة المنتهى وإما جسد مثالي تعلقت به روحه صلى الله تعالى عليه وسلم المجردة القدسية ولا مانع من أن يتعدد الجسد المثالي إلى ما لا يحصى من الأجساد مع تعلق روحه القدسية عليه من الله تعالى ألف ألف صلاة وتحية بكل جسد منها ويكون هذا التعلق من قبيل تعلق الروح الواحدة بأجزاء بدن واحد ولا تحتاج في إدراكاتها وإحساساتها في ذلك التعلق إلى ما تحتاج إليه من الآلات في تعلقها بالبدن في الشاهد و على ما ذكر وجه ما نقله الشيخ صفى الدين بن أبي منصور والشيخ عبدالغفار عن الشيخ أبي العباس الطنجي من أنه رأى السماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحل به السؤال عن كيفية رؤية المتعددين له عليه الصلاة والسلام في زمان واحد في أقطار متباعدة ولا يحتاج معه إلى ما أشار إليه بعضهم وقد سئل عن ذلك فأنشد: كالشمس في كبد السماء وضوؤها يغشى البلاد مشارقا ومغاربا وهذه الرؤية إنما تقع في الأغلب للكاملين الذين لم يخلوا بإتباع الشريعة قدر شعيرة ومتى قويت المناسبة بين رسول الل صلى الله تعالى عليه وسلم وبين أحد من الأمة قوى أمر رؤيته إياه عليه الصلاة والسلام وقد تقع لبعض صلحا الأمة عند الإحتضار لقوة الجمعية حينئذ والرؤية التي تكون يقظة لمن رآه صلى الله تعالى عليه وسلم في المنام إن كانت في الدنيا فهي على نحو رؤية بعض الكاملين إياه صلى الله تعالى عليه وسلم وهي أكمل من الرؤيا وإن كان المرئي فيهما هو رسول الله عليه الصلاة والسلام وآخر مظان تحققها وقت الموت ولعل الأغلب في حق العامة تحققها فيه وإن كانت في الآخرة فالأمر فيها واضح ويرجح عندي كونها في الآخرة على وجه خاص من القرب والحظوة وما شاكل ذلك أن البشارة في الخبر عليه أبلغ ثم إن الخبر
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»