تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٤٦
الله عز وجل ولم يحمل على حقيقته وإن صح هنا أن يأذن الله تعالى شأنه له عليه الصلاة والسلام حقيقة في الدعوة لأنه قد فهم من قوله سبحانه: إنا أرسلناك داعيا أنه صلى الله عليه وسلم مأذون له في الدعوة، ومما ذكر يعلم أن * (بإذنه) * من متعلقات داعيا، وقيدت الدعوة بذلك إيذانا بأنها أمر صعب المنال وخطب في غاية الأعضال لا يتأتى إلا بإمداد من جناب قدمه كيف لا وهو صرف للوجوه عن القبل المعبودة وادخال للأعناق في قلادة غير معهودة، وجوز رجوع القيد للجميع والأول أظهر * (وسراجا منيرا) * بستضيء به الضالون في ظلمات الجهل والغواية ويقتبس من نوره أنوار المهتدين إلى مناهج الرشد والهداية، وهو تشبيه إما مركب عقلي أو تمثيلي منتزع من عدة أمور أو مفرق، وبولغ في الوصف بالإنارة لأن من السرج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته.
وقال الزجاج: هو معطوف على شاهدا بتقدير مضاف أي ذا سراح منير، وقال الفراء: إن شئت كان نصبا على معنى وتاليا سراجا منيرا، وعليهما السراح المنير القرآن، وإذا فسر بذلك احتمل على ما قيل أن يعطف على كاف * (أرسلناك) * على معنى أرسلناك والقرآن إما على سبيل التبعية وإما من باب متقلدا سيفا ورمحا، وقيل: إنه على تقدير تاليا سراجا يجوز هذا العطف أي إنا أرسلناك وتاليا سراجا كقوله تعالى: * (يتلو صفحا مطهرة) * (البينة: 2) على أنه الجامع بين الآمرين على نحو * (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء) * (الأنبياء: 48) أي أرسلنا بإرسالك تاليا.
وجوز أن يراد وجعلناك تاليا، وقيل: يجوز أن يراد بذا سراج القرآن وحينئذ يكون التقدير إنا أرسلناك وأنزلنا عليك ذا سراح. وتعقب بأن جعل القرآن ذا سراج تعسف، والحق أن كل ما قيل كذلك.
* (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) *.
* (وبشر المؤمنين) * عطف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعيه النظام كأنه قيل: فراقب أحوال الناس وبشر المؤمنين. وجوز عطفه على الخبر السابق عطف القصة على القصة، وقيل: هو معطوف عليه ويجعل في معنى الأمر لأنه في معنى ادعهم شاهدا ومبشرا ونذيرا الخ وبشر المؤمنين منهم * (بأن لهم من الله فضلا كبيرا) * أي عطاء جزيلا وهو كما روي عن الحسن. وقتادة الجنة وما أوتوا فيها ويؤيده قوله تعالى: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشائون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير) * (الشورى: 22) وقيل: المعنى فضلا على سائر الأمم في الرتبة والشرف أو زيادة على أجور أعمالهم بطريق التفضيل والإحسان.
أخرج ابن جرير وابن عكرمة عن الحسن قال: لما نزل * (لغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * (الفتح: 2) قالوا: يا رسول الله قد علمنا ما يفعل بك فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى: * (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) *.
* (ولا تطع الك‍افرين والمن‍افقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) *.
* (ولا تطع الكافرين والمنافقين) * نهى عن مداراتهم في أمر الدعوة ولين الجانب في التبليغ والمسامحة في الإنذاء كني عن ذلك بالنهي عن طاعتهم مبالغة في النهي والتنفير عن المنهى عنه بنظمها في سلكها وتصويره بصورتها، وحمل غير واحد النهي على التهييج والإلهاب من حيث أنه صلى الله عليه وسلم لم يطعهم حتى ينهى، وجعله بعضهم من باب إياك أعني واسمعي يا جارة فلا تغفل.
* (ودع أذاهم) * أي لا تبال بإيذائهم إياك بسبب إنذارك إياهم وأصبر على ما ينالك منهم قاله قتادة فأذاهم مصدر مضاف للفاعل، وقال أبو حيان: الظاهر أنه مصدر مضاف للمفعول لما نهي صلى الله عليه وسلم عن طاعتهم أمر بترك إيذائهم وعقوبتهم ونسخ منه ما يخص الكافرين بآية السيف وروي نحوه عن مجاهد. والكلبي والأولى أولى * (وتوكل على الله) * في كل ما تأتي وتذر من الشؤون التي من جملتها هذا الشأن فإنه
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»