جملة مبتدأة واقعة في مقابلة قوله تعالى: * (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) * ويكون ذلك مقررا لما قبله من التفرد بالالهية والربوبية واستدلالا عليه إذ حاصله جميع الملك والتصرف في المبدأ والمنتهى له تعالى وليس لغيره سبحانه منه شيء، ولذا قيل إن فيه قياسا منطقيا مطويا. وجوز أن يكون مقررا لقوله تاعلى: * (والله خلقكم) * الخ وقوله تعالى: * (يولج) * الخ فجملة * (الذين تدعون) * الخ عليه إما استئنافية أيضا وهي معطوفة على جملة " له الملك " وإما حال من الضمير المستقر في الظرف أعني له، وعلى الوجه الأول هي معطوفة على جملة " ذلكم الله " الخ أو حال أيضا، والقطمير على ما أخرج ابن جرير. وغيره عن مجاهد لفافة النواة وهي القشر الأبيض الرقيق الذي يكون بين التمر والنواة وهو المعنى المشهور.
وأخرج ابن جرير. وابن المنذر أنه القمع الذي هو على رأس التمرة، وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه القشرة على رأس النواة وهو ما بين القمع والنواة، وقال الراغب. إنه الأثر على ظهر النواة، وقيل هو قشر الثوم، وأيا ما كان فهو مثل للشيء الدنيء الطفيف، قال الشاعر: وأبوك يخصف نعله متوركا * ما يملك المسكين من قطمير وقرأ عيسى. وسلام. ويعقوب. يدعون بالياء التحتانية.
* (إن تدعوهم لا يسمعوا دعآءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) *.
* (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم) * استئناف مقرر لما قبله كاشف عن جلية حال ما يدعونه بأنه جماد ليس من شأنه السماع، هذا إذا كان الكلام مع عبدة الأصنام ويحتمل أن يكون مع عبدتها وعبدة الملائكة. وعيسى وغيرهم من المقربين، وعدم السماع حينئذ إما لأن المعبود ليس من شأنه ذلك كالأصنام وإما لأنه في شغل شاغل وبعد بعيد عن عابده كعيسى عليه السلام، وروي هذا عن البلخي أو لأن الله عز وجل حفظ سمعه من أن يصل إليه مثل هذا الدعاء لغاية قبحه وثقله على سمع من هو في غاية العبودية لله سبحانه، فلا يرد أن الملائكة عليهم السلام يسمعون وهم في السماء كما ورد في بعض الآثار دعاء المؤمنين ربهم سبحانه؛ وفي نظم ذي النفوس القدسية في سلك الملائكة عليهم السلام من حيثية السماع وهم في مقار نعيمهم توقف عندي بل في سماع كل من الملائكة عليهم السلام وهم في السماء وذوي النفوس القدسية وهم في مقار نعيمهم نداء من ناداهم غير معتقد فيهم الآلهية توقف عندي أيضا إذ لم أظفر بدليل سمعي على ذلك والعقل يجوزه لكن لا يكتفي بمجرد تجويزه في القول به.
* (ولو سمعوا) * على سبيل الفرض والتقدير * (ما استجابوا لكم) * لأنهم لم يرزقوا قوة التكلم والسماع لا يستلزم ذلك فالمراد باللاستجابة الاستجابة بالقول، ويجوز أن يراد بها الاستجابة بالفعل أي ولو سمعوا ما نفعوكم لعجزهم عن الأفعال بالمرة، هذا إذا كان المدعون الأصنام وأما إذا كانوا الملائكة عليهم السلام أو نحوهم من المقربين فعدم الاستجابة القوللية لأن دعاءهم من حيث زعم أنهم آلهة وهم بمعزل عن الإلهية فكيف يجيبون زاعم ذلك فيهم وفيه من التهمة ما فيه، وعدم الاستجابة الفعلية يحتمل أن يكون لهذا أيضا ويحتمل أن يكون لأن نفع من دعاهم ليس من وظائفهم، وقيل لأنهم يرون ذلك نقصا في العبودية والخضوع لله عز وجل.
ويجوز أن يكون هذا تعليلا للأول أيضا فتأمل * (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) * فضلا عن أن يستجيبوا لكم إذا دعوتموهم، وشرك مصدر مضاف إلى الفاعل أي ويوم القيامة يجحدون إشراككم إياهم