فالفرق باعتبار ذلك، ولعل ما ذكرناه أولا أولى، وذكر بعض الأفاضل في الجملة الأولى ثلاثة أسئلة قال في الأخيرين منها: لم أر من تفطن لهما وقد أجاب عن كل، الأول أن عدم حمل الغير على الغير عام في النفس الآثمة وغير الآثمة فلم خص بالآثمة مع أن التصريح بالعموم أتم في العدل وأبلغ في البشارة وأخصر في اللفظ وذلك بأن يقال: ولا تحمل نفس حمل أخرى، وجوابه أن الكلام في أرباب الأوزار المعذبين لبيان أن عذابهم إنما هو بما اقترفوه من الأوزار لا بما اقترفه غيرهم، الثاني أن معنى وزر حمل الوزر لا مطلق الحلم على ما في النهاية الأثيرية حيث قال: يقال وزر يزر فهو وازر إذا حمل ما يثقل ظهره من الأشياء المثقلة ومن الذنوب فكيف صح ذكر وزر مع يزر وجوابه أنه من باب التجريد، الثالث أن * (وازرة) * يفهم من تزر كما يفهم ضارب من يضرب مثلا فأي فائدة في ذكره؟ وجوابه أنه إذا قيل ضرب ضارب زيدا فالذي يستفاد من ضرب إنما هو ذات قام بها ضرب حدث من تعلق هذا الفعل بتلك الذات ولما عبر عن شيء بما فيه معنى الوصفية وعلق به معنى مصدري في صيغة فعل أو غيرها فهم منه في عرف اللغة أن ذلك الشيء موصوف بتلك الصفة حال تعلق ذلك المعنى به لا بسببه كما حققه بعض أجلة شراح الكشاف فيجب أن يكون معنى ضارب في المثال متصفا بضرب سابق على تعلق ضرب به وكذا يقال في * (ولا تزر وازرة) * وهذه فائدة جليلة ويزيدها جلالة استفادة العموم إذا أورد اسم الفاعل نكرة في حيز نفي، وبذلك يسقط قول العلامة التفتازاني إن ذكر فاعل الفعل بلفظ اسم فاعله نكرة قليل الجدوى جدا انتهى.
وأنت تعلم أنه من مجموع الجملتين يستفاد ما ذكره في السؤال الأول من العموم، وفي خصوص هاتين الجملتين وذكرهام معا ما لا يخفى من الفائدة، وفي القاموس وزره كوعده وزرا بالكسر حمله، وفي الكشاف وزر الشيء إذا حمله، ونحوه في البحر، وعلى ذلك لا حاجة إلى التجريد فلا تغفل، وأصل الحمل ما كان على الظهر من ثقيل فاستعير للمعاني من الذنوب والآثام، وقرأ أبو السمال عن طلحة. وإبراهيم عن الكسائي * (لا تحمل) * بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الميم وتقتضي هذه القراءة نصب شيء على أنه مفعول به لتحمل وفاعله ضمير عائد على مفعول تدعو المحذوف أي وإن تدع مثقلة نفسا إلى حملها لم تحمل منه شيئا * (ولو كان) * أي المدعو المفهوم من الدعوة * (ذا قربى) * ذا قرابة من الداعي، وقال ابن عطية: اسم كان ضمير الداعي أي ولو كان الداعي ذا قرابة من المدعو، والأول أحسن لأن الداعي هو المثقلة بعينه فيكون الظاهر عود الضمير عليه وتأنيثه. وقول أبي حيان ذكر الضمير حملا على المعنى لأن قوله تعالى: * (مثقلة) * لا يراد بها مؤنث المعنى فقط بل كل شخص فكأنه قيل وإن يدع شخص مثقل لا يخفى ما فيه. وقرىء ولو كان * (ذو قربى) * بالرفع، وخرج على أن * (كان) * ناقصة أيضا و * (ذو قربى) * اسمها والخبر محذوف أي ولو كان ذو قربى مدعوا، وجوز أن تكون تامة. وتعقب بأنه لا يلتئم معها النظم الجليل لأن الجملة الشرطية كالتتميم والمبالغة في أن لا غياث أصلا فيقتضي أن يكون المعنى أن المثقلة إن دعت أحدا إلى حملها لا يجيبها إلى ما دعته إليه ولو كان ذو القربى مدعوا، ولو قلنا إن المثقلة إن دعت أحدا إلى حلمها لا يحمل مدعوها شيئا ولو حضر ذو قربى لم يحسن ذلك الحسن، وملاحظة كون ذي القربى مدعوا بقرينة السياق أو تقدير فدعته كما فعل أبو حيان خلاف الظاهر فيخفى عليه أمر الانتظام * (إنما تنذر) * الخ استئناف مسوق لبيان من يتعظ بما ذكر أي إنما تنذر بهذه الإنذارات ونحوها * (الذين يخشون ربهم بالغيب) * أي يخشونه