تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٣١
عن ظرفيته. وقرىء * (بوعد) * مبنيا للمفعول. وقرأ ابن يعمر * (سفرنا) * بالإفراد * (وظلموا أنفسهم) * حيث عرضوها للسخط والعذاب حين بطروا النعمة وغمطوها * (فجعلناهم أحاديث) * جمع أحدوثه وهي ما يتحدث به على سبيل التلهي والاستغراب لا جمع حديث على خلاف القياس، وجعلهم نفس الأحاديث إما على المبالغة أو تقدير المضاف أي جعلناهم بحديث يتحدث الناس بهم متعجبين من أحوالهم ومعتبرين بعاقبتهم ومآلهم. وقيل المراد لم يبق منهم إلا الحديث عنهم ولو بقي منهم طائفة لم يكونوا أحاديث * (ومزقناهم كل ممزق) * أي فرقناهم كل تفريق على أن الممزق مصدر أو كل مطرح ومكان تفريق على أنه اسم مكان، وفي التعبير بالتمزيق الخاص بتفريق المتصل وخرقه من تهويل الأمر والدلالة على شدة التأثير والإيلام ما لا يخفى أي مزقناهم تمزيقا لا غاية وراءه بحيث يضرب مثلا في كل فرقة ليس بعدها وصال، وعن ابن سلام أن المراد جعلناهم ترابا تذروه الرياح وهو أوفق بالتمزيق إلا أن جميع أجلة المفسرين على خلافه وأن المراد بتمزيقهم تفريقهم بالتباعد، وقد تقدم لك غير بعيد حديث كيفية تفرقهم في جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لفروة بن مسيك.
وفي " الكشاف " لحق غسان بالشام وأنمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان. وفي التحرير وقع منهم قضاعة بمكة وأسد بالبحرين وخزاعة بتهامة، وظاهر الآية أن ذلك كان بعد إرسال السيل العرم. وفي " البحر " أن في الحديث أن سبأ أبو عشرة قبائل فلما جاء السيل على مأرب تيامن منها ستة قبائل وتشاءمت أربعة، وزعم بعضهم أن تفرقهم كان قبيل مجىء السيل.
قال عبد الملك في شرح قصيدة ابن عبدون إن أرض سبأ من اليمن كانت العمارة فيها أزيد من مسيرة شهرين للراكب المجد وكان أهلها يقتبسون النار بعضهم من بعض مسيرة أربعة أشهر فمزقوا كل ممزق وكان أول من خرج من اليمن في أول الأمر عمرو بن عامر مزيقيا، وكان سبب خروجه أنه كانت له زوجة كاهنة يقال لها طريفة الخير وكانت رأت في منامها أن سحابة غشيت أرضهم فأرعدت وأبرقت ثم صعقت فأحرقت كل ما وقعت عليه ففزعت طريفة لذلك فزعا شديدا وأتت الملك عمرا وهي تقول ما رأيت كاليوم أزال عني النوم رأيت غيما أرعد وأبرق وزمجر وأصعق فما وقع على شيء إلا أحرق فلما رأى ما داخلها من الفزع سكنها ثم أن عمرا دخل على حديقة له ومعه جاريتان من جواريه فبلغ ذلك طريفة فخرجت إليه وخرج معها وصيف لها اسمه سنان فلما برزت من بيتها عرض لهاث لاث مناجد منتصبات على أرجلهن واضعات أيديهن على أعينهن وهي دواب تشبه اليرابيع فقعدت إلى الأرض واضعة يديها على عينيها وقالت: لوصيفها إذا ذهبت هذه المناجد فأخبرني فلما ذهبت أخبرها فانطلقت مسرعة فلما عارضها الخليج الذي في حديقة عمرو وثبت من الماء سلحفاة فوقعت على الطريق على ظهرها وجعلت تروم الانقلاب فلا تستطيع وتستعين بذنبها فتحثو التراب على بطنها من جنباته وتقذف بالبول على بطنها قذا فلما رأتها طريفة جلست إلى الأرض فلما عادت السلحفاة إلى الماء مضت طريفة إلى أن دخلت على عمرو وذلك حين انتصف النهار في ساعة شديد حرها فإذا الشجر يتكافأ من غير ريح فلما رآها استحى منها وأمر الجارتين بالانصراف إلى ناحية ثم قال لها يا طريفة فكهنت وقالت: والنور والظلماء والأرض والسماء أن الشجر لهالك وليعودن الماء كما كان في الزمن السالك قال عمرو: من أخبرك بهذا؟ قالت: أخرتني المناجد بسنين شدائد يقطع فيها الولد الوالد قال: ما تقولين؟ قالت: أقوى قول الندمان لهيفا لقد رأيت سلحفاة تجرف التراب
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»