والظاهر المؤيد بالآثار أنه تعالى جعله في معدنه عينا تسيل كعيون الماء.
أخرج ابن المنذر عن عكرمة أنه قال في الآية: أسال الله تعالى له القطر ثلاثة أيام يسيل كما يسيل الماء قيل: إلى أين؟ قال: لا أدري. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: سيلت له عين من نحاس ثلاثة أيام، وفي " البحر " عن ابن عباس. والسدي. ومجاهد قالوا: أجريت له عليه السلام ثلاثة أيام بلياليهن وكانت بأرض اليمن، وفي رواية عن مجاهد أن النحاس سال من صنعاء وقيل: كان يسيل في الشهر ثلاثة أيام.
* (ومن الجن من يعمل بين يديه) * يحتمل أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف هو خبر مقدم و * (من) * في محل رفع مبتدأ ويحتمل أن يكون متعلقا بمحذوف وقع حالا مقدما من * (من) * وهي في محل نصب عطف على * (الريح) * وجوز أن يكون * (من الجن) * عطفا على الريح على أن من للتبعيض و * (من يعمل) * بدل منه وهو تكلف و * (يعمل) * إما منزل منزلة اللازم أو مفعوله مقدر يفسره ما سيأتي إن شاء الله تعالى ليكون تفصيلا بعد الإجمال وهو أوقع في النفس * (بإذن ربه) * بأمره عز وجل * (ومن يزع منهم عن أمرنا) * أي ومن يعدل منهم عما أمرناه به من طاعة سليمان عليه السلام. وقرىء * (يزغ) * بضم الياء من أزاغ مبنيا للفاعل ومفعوله محذوف أي من يمل ويصرف نفسه أو غيره، وقيل مبنيا للمفعول فلا يحتاج إلى تقدير مفعول * (نذقه من عذاب السعير) * أي عذاب النار في الآخرة كما قال أكثر المفسرين وروي ذلك عن ابن عباس، وقال بعضهم: المراد تعذيبه في الدنيا.
روي عن السدي أنه عليه السلام كان معه ملك بيده سوط من نار كل ما استعصى عليه جنى ضربه من حيث لا يراه الجني.
وفي بعض الروايات أنه كان يحرق من يخالفه، واحتراق الجني مع أنه مخلوق من النار غير منكر فإنه عندنا ليس نارا محضة وإنما النار أغلب العناصر فيه.
* (يعملون له ما يشآء من محاريب وتماثيل وجفان ك الجواب وقدور راسيات اعملوا ءال داوود شكرا وقليل من عبادى الشكور) *.
* (يعملون له ما يشاء من محاريب) * جمع محراب وهو كما قال عطية القصر، وسمي باسم صاحبه لأنه يحارب غيره في حمايته، فإن المحراب في الأصل من صيغ المبالغة اسم لمن يكثر الحرب وليس منقولا من اسم الآلة وإن جوزه بعضهم، ولابن حيوس: جمع الشجاعة والخشوع لربه * ما أحسن المحراب في محرابه ويطلق على المكان المعروف الذي يقف بحذائه الإمام، وهو مما أحدث في المساجد ولم يكن في الصدر الأول كما قال السيوطي وألف في ذلك رسالة ولذا كره الفقهاء الوقوف في داخله.
وقال ابن زيد: المحاريب المساكن، وقيل ما يصعد إليه بالدرج كالغرف، وقال مجاهد: هي المساجد سميت باسم بعضها تجوزا على ماق يل، وهو مبني على أن المحراب اسم لحجرة في المسجد يعبد الله تعالى فيها أو لموقف الإمام.
وأخرج ابن المنذر. وغيره عن قتادة تفسيرها بالقصور والمساجد معا، وجملة * (يعملون له ما يشاء) * استئناف لتفصيل ما ذكر من عملهم، وجوز كونها حالا وهو كما ترى * (وتماثيل) * قال الضحاك: كانت صور حيوانات، وقال الزمخشري: صور الملائكة والأنبياء والصلحاء كانت تعمل في المساجد من نحاس وصفر وزجاج ورخام ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وكان اتخاذ الصور في ذلك الشرع جائزا كما قال الضحاك وأبو العالية.
وأخرج الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " عن ابن عباس أنه قال في الآية اتخذ سليمان عليه السلام تماثيل من نحاس فقال: يا رب انفخ فيها الروح فإنها أقوى على الخدمة فينفخ الله تعالى فيها الروح فكانت تخدمه