تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١١٣
قوله تعالى: * (إن في ذلك) * لآية لكل عبد منيب كما أشرنا إليه، وقال أبو حيان: مناسبة قصيتهما عليهما السلام لما قبلها هي أن أولئك الكفار أنكروا البعث لاستحالته في زعمهم فأخبروا بوقوع ما هو مستحيل في العادة مما لا يمكنهم إنكاره إذ طفحت ببعضه أخبارهم وأشعارهم، وقيل: ذكر سبحانه نعمته عليهما احتجاجا على ما منح نبينا صلى الله عليه وسلم كأنه قيل: لا تستبعدوا هذا فقد تفضلنا على عبيدنا قديما بكذا وكذا فلما فرغ التمثيل له عليه الصلاة والسلام رجع التمثيل لهم بسبا وما كان من هلاكهم بالكفر والعتو * (يا جبال أوبى معه) * أي سبحى معه قاله ابن عباس وقتادة. وابن زيد، وأخرجه ابن جرير عن أبي ميسرة إلا أنه قال: معناه ذلك بلغة الحبشة، والظاهر أنه عربي من التأويب والمراد رجعي معه التسبيح وردديه، وقال ابن عطية: إن أصل ماضيه آب وضعف للمبالغة. وتعقبه في البحر بقوله ويظهر أن التضعيف للتعدية لأن آب بمعنى رجع لازم صلته اللام فعدى بالتضعيف إذ شرحوه بقولهم رجعي معه التسبيح.
يروى أنه عليه السلام كان إذا سبح سبحت الجبال مثل تسبيحه بصوت يسمع منها ولا يعجز الله عز وجل أن يجعلها بحيث تسبح بصوت يسمع وقد سبح الحصى في كف نبينا عليه الصلاة والسلام وسمع تسبيحه وكذا في كف أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ولا يبعد على هذا أن يقال: إنه تعالى خلق فيها الفهم أولا فناداها كما ينادي أولوا الفهم وأمرها، وقال بعضهم: إنه سبحانه نزل الجبال منزلة العقلاء الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا أشعارا بأنه ما من حيوان وجماد إلا وهو منقاد لمشيئته تعالى غير ممتنع على إرادته سبحانه ودلالة على عزة الربوبية وكبرياء الألوهية حيث نادى الجبال وأمرها، وقيل: المراد بتأويبها حملها إياه على التسبيح إذا تأمل ما فيها، وفيه مع كونه خلاف المأثور إن * (معه) * يأباه، وأيضا لا اختصاص له عليه السلام بتأويب الجبال بهذا اللمعنى حتى يفضل به أو يكون معجزة له، وقيل: كان عليه السلام ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين وكانت الجبال تسعده باصدائها. وفيه أن الصدى ليس بصوت الجبال حقيقة وإنما هو من آثار صوت المتكلم على ما قام عليه البرهان، والله تعالى نادى الجبال وأمرها أن تؤوب معه، وأيضا أي اختصاص له عليه الصلاة والسلام بذلك ولصوت كل أحد صدى عند الجبال، وعن الحسن أن معنى * (أوبي معه) * سيرى معه أين سار، والتأويب سير النهار كأن الإنسان يسير الليل ثم يرجع السير بالنهار رأي يردده.
ومن ذلك قول تميم بن مقبل: لحقنا بحي أوبوا السير بعدما * دفعنا شعاع الشمس والطرف يجنح وقول آخر: يومان يوم مقامات وأندية * ويوم سير إلى الأعداء تأويب وأورد عليه أن الجبال أوتاد الأرض ولم ينقل سيرها مع داود عليه السلام أو غيره، وقيل: المعنى تصرفي معه على ما يتصرف فيه فكانت إذا سبح سبحت وإذا ناح ناحت وإذا قرأ الزبور قرأت. وتعقب بأنه لم يعرف التأويب بمعنى التصرف في لغة العرب، وقيل: المعنى ارجعي إلى مراده فيما يريد من حفر واستنباط أعين واستخراج معدن ووضع طريق، والجملة معمولة لقول مضمر أي قولنا يا جبال على أنه بدل من * (فضلا) * بدل كل من كل أو بدل اشتمال أو قلنا يا جبال على أنه بدل من * (آتينا) * وجوز كونه بدلا من * (فضلا) * بناء على أنه
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»