تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٢٢
غير ألف، وقيل: قياسها التخفيف بين بين والراوي لم يضبط، وأنشد هارون بن موسى الأخفش الدمشقي شاهدا على السكون في هذه القراءة قول الراجز:
صريع خمر قام من وكأته * كقومة الشيخ إلى منسأته وقرىء بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا و * (منساءته) * بالمد على وزن مفعالة كما يقال في الميضأة وهي آلة التوضىء وتطلق على محله أيضا ميضاءة، وقرىء * (منسيته) * بإبدال الهمزة ياء. وقرأت فرقة منهم عمرو بن ثابت عن ابن جبير * (من) * مفصولة حرف جر * (ساته) * بجر التاء وهي طرف العصا وأصلها ما انعطف من طرفي القوس ويقال فيه سية أيضا استعيرت لما ذكر إما استعارة اصطلاحية لأنها كانت خضراء فاعوجت بالاتكاء عليها على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى في القصة أو لغوية باستعمال المقيد في المطلق، وبما ذكر علم رد ما قاله البطليوسي بعدما نقل هذه القراءة عن الفراء أنه تعجرف لا يجوز أن يستعمل في كتاب الله عز وجل ولم يأت به رواية ولا سماع ومع ذلك هو غير موافق لقصة سليمان عليه السلام لأنه لم يكن معتمدا على قوس وإنما كان معتمدا على عصا. وقرىء * (أكلت منسأته) * بصيغة الماضي فالجملة إما حال أيضا بتقدير قد أو بدونه وإما استئناف بياني.
* (فلما خر) * أي سقط * (تبينت الجن) * أي علمت بعد التباس أمر سليمان من حياته ومماته عليهم * (أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) * أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته زمن وقوعه فلم يلبثوا بعده حولا في الأعمال الشاقة إلى أن خر، والمراد بالجن الذين علموا ذلك ضعفاء الجن وبالذين نفى عنهم علم الغيب رؤساؤهم وكبارهم على ما روي عن قتادة، وجوز عليه أن يراد بالأمر الملتبس عليهم أمر علم الغيب أو المراد بالجن الجنس بأن يسند للكل ما للبعض أو المراد كبارهم المدعون علم الغيب أي علم االمدعون علم الغيب منهم عجزهم وأنهم لا يعلمون الغيب، وهم وإن كانوا عالمين قبل ذلك بحالهم لكن أريد التهكم بهم كما تقول للمبطل إذا دحضت حجته هل تبينت أنك مبطل. وأنت تعلم أنه لم يزل كذلك متبينا.
وجوز أن يكون تبين بمعنى بان وظهر فهو غير متعد لمفعول كما في الوجه الأول فإن مفعوله فيه * (أن لو كانوا) * الخ وهو في هذا الوجه بدل من * (الجن) * بدل اشتمال نحو تبين زيد جهله، والظهور في الحقيقة مسند إليه أي فلما خر بان للناس وظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب، ولا حاجة على ما قرر إلى اعتبار مضاف مقدر هو فاعل تبين في الحقيقة إلا أنه بعد حذفه أقيم المضاف إليه مقامه وأسند إليه الفعل ثم جعل * (أن لو كانوا) * الخ بدلا منه بدل كل من كل والأصل تبين أمر الجن أن لو كانوا الخ، وجعل بعضهم في قوله تعالى: * (أن لو كانوا يعلمون) * الخ قياسا طويت كبراه فكأنه قيل لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين لكنهم لبثوا في العذاب المهين فهم لا يعلمون الغيب، ومجىء تبين بمعنى بان وظهر لازما وبمعنى أدرك وعلم متعديا موجود في كلام العرب قال الشاعر:
تبين لي أن القماءة ذلة * وأن أعزاء الرجال طيالها وقال الآخر: أفاطم إني ميت فتبيني * ولا تجزعي كل الأنام تموت وفي " البحر " نقلا عن ابن عطية قال: ذهب سيبويه إلى أن * (أن) * لا موضع لها من الأعراب وإنما هي منزلة منزلة القسم من الفعل للذي معناه التحقيق واليقين، لأن هذه الأفعال التي هي تحققت وتيقنت وعلمت ونحوها
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»