تحل محل القسم - فما لبثوا - جواب القسم لا جواب لو اه فتأمله فإني لا أكاد أتعقله وجها يلتفت إليه. وفي " أمالي " العز بن عبد السلام أن الجن ليس فاعل * (تبينت) * بل هو مبتدأ * (وأن لو كانوا يعلمون) * خبره والجملة مفسرة لضمير الشأن في * (تبينت) * إذ لولا ذلك لكان معنى الكلام لما مات سليمان وخر ظهر لهم أنهم لا يعلمون الغيب وعلمهم بعدم علمهم الغيب لا يتوقف على هذا بل المعنى تبينت القصة ما هي والقصة قوله تعالى: * (الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) * اه، والعجب من صدور مثله عن مثله، وما جعله مانعا عن فاعلية * (الجن) * مدفوع بما سمعت في تفسير الآية كما لا يخفى، وفي كتاب النحاس إشارة إلى أنه قرىء * (تبينت الجن) * بالنصب على أن تبينت بمعنى علمت والفاعل ضمير الإنس * (والجن) * مفعوله، وقرأ ابن عباس فيما ذكر ابن خالويه. ويعقوب بخلاف عنه * (تبينت) * مبنيا للمفعول، وقرأ أبي * (تبينت الإنس) * بمعنى تعارقت وتعالمت والضمير في * (كانوا) * للجن المذكو فيما سبق وقرأ ابن مسعود * (تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب) * وهي قراءات مخالفة لسواد المصحف مخالفة كثيرة وفي القصة روايات فروى أنه كان من عادة سليمان عليه السلام أن يعتكف في مسجد بيت المقدس المدد الطوال فلما دنا أجله لم يصبح إلا رأى في محرابه شجرة نابتة قد أنطقها الله تعالى فيسألها لأي شيء أنت؟ فتقول: لكذا حتى أصبح ذات يوم فرأى الخرنوبة فسألها فقالت نبت لخراب هذا المسجد فقال: ما كان الله تعالى ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها في حائط له واتخذ منها عصا وقال: اللهم عم على الجن موتى حتى يعلم أنهم لا يعلمون الغيب كما يموهون وقال لملك الموت: إذا أمرت بي فاعلمني فقال:
أمرت بك وقد بقي من عمرك ساعة فعدا الجن فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلي متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكىء عليها وكانت الجن تجتمع حول محرابه أينما صلى فلم يكن جني ينظر إليه في صلاته إلا احترق فمر جني فلم يسمع صوته ثم رجع فلم يسمع فنظر إذا سليمان قد خر ميتا ففتحوا عنه فإذا العصا قد أكلتها الأرضة فأرادوا أن يعرفوا وقت موته فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت منها في يوم وليلة مقدارا فحسبوا على ذلك النحو فوجدوه قد مات منذ سنة وكانوا يعملون بين يديه ويحسبونه حيا فتبين أنهم لو كانوا يعلمون الغيب لما لبثوا في العذاب سنة، ولا يخفى أن هذا من باب التخمين والاقتصار على الأقل وإلا فيجوز أن تكون الأرضة بدت بالأكل بعد موته بزمان كثير وأنها كانت تأكل أحيانا وتترك أحيانا.
وأما كون بدئها في حياته فبعيد، وكونه بالوحي إلى نبي في ذلك الزمان كما قيل فواه لأنه لو كان كذلك لم يحتاجوا إلى وضع الأرضة على العصا ليستعملوا المدة، وروى أن داود عليه السلام أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السلام فمات قبل أن يتمه فوصى به إلى سليمان فأمر الجن باتمامه فلما بقي من عمره سنة سأل أن يعمى عليهم موته حتى يفرغوا منه ولتبطل دعواهم علم الغيب، وهذا بظاهره مخالف لما روى أن إبراهيم عليه السلام هو الذي أسس بيت المقدس بعد الكعبة بأربعين سنة ثم خرب وأعاده داود ومات قبل أن يتمه، وأيضا إن موسى عليه السلام لم يدخل بيت المقدس بل مات في التيه، وجاء في الحديث الصحيح أنه عليه السلام سأل ربه عند وفاته أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، وأيضا قد روى أن سليمان قد فرغ من بناء المسجد وتعبد فيه وتجهز بعده للحج شكرا لله تعالى على ذلك. وأجيب عن الأول بأن المراد تجديد التأسيس، وعن الثاني بأن المراد بفسطاط موسى فسطاطه المتوارث وكانوا يضربونه يتعبدون فيه تبركا لا أنه كان يضرب هنالك في زمنه