تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١١٦
وكان ينفق ثلث المال في مصالح المسلمين وكان يفرغ من الدرع في بعض يوم أو في بعض ليل وثمنها ألف درهم.
وأخرج الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول ". وابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال: كان داود عليه السلام يرفع في كل يوم درعا فيبيعها بستة آلاف درهم ألفان له ولأهله وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل الخبز الحواري، وقيل: كان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء، وفي " مجمع البيان " عن الصادق رضي الله تعالى عنه أنه عمل ثلثمائة وستين درعا فباعها بثلثمائة وستين ألف درهم فاستغنى عن بيت المال * (واعملوا صالحا) * خطاب لداود وآله عليهم السلام وهم وإن لم يجر لهم ذكر يفهمون على ما قاله الخفاجي التزاما من ذكره، وجوز أن يكون خطابا له عليه السلام خاصة على سبيل التعظيم، وأيا ما كان فالظاهر أنه أمر بالعمل الصالح مطلقا، وليس هو على الوجه الثاني أمرا بعمل الدروع خالية من عيب.
* (أني بما تعملون بصير) * فأجازيكم به وهو تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به على وجه الترغيب والترهيب.
* (ولسليم‍ان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير) *.
* (ولسليمان الريح) * أي وسخرنا له الريح، وقيل: * (لسليمان) * عطف على * (له) * في * (ألنا له الحديد) * والريح عطف على * (الحديد) * وإلانة الريح عبارة عن تسخيرها.
وقرأ أبو بكر * (الريح) * بالرفع على أنه مبتدأ و * (لسليمان) * خبره والكلام على تقدير مضاف أي ولسليمان تسخير الريح، وذهب غير واحد إلى أنه مبتدأ ومتعلق الجار كون خاص هو الخبر وليس هناك مضاف مقدر أي ولسليمان الريح مسخرة، وعندي أن الجملة على القراءتين معطوفة على قوله تعالى: * (ولقد آتينا داود منا فضلا) * (سبأ: 10) الخ عطف القصة على القصة، وقال ابن الشيخ: العطف على القراءة الأولى على * (ألنا له الحديد) * وكلتا الجملتين فعلية وعلى القراءة الثانية العطف على اسمية مقدرة دلت عليها تلك الجملة الفعلية لا عليها للتخالف فكأنه قيل: ما ذكرنا لداود ولسليمان الريح فإنها كانت له كالمملوك المخص بالمالك يأمرها بما يريد ويسير عليها حيثما يشاء، ثم قال: وإنما لم يقل ومع سليمان الريح لأن حركتها ليست بحركة سليمان بل هي تتحرك بنفسها وتحرك سليمان وجنوده بحركتها وتسير بهم حيث شاء وهذا على خلاف تأويب الجبال فإنه كان تبعا لتأويب داود عليه السلام فلذا جىء بهناك بمعه.
وقرأ الحسن. وأبو حيوة. وخالد بن الياس * (الرياح) * بالرفع جمعا * (غدوها شهر ورواحها شهر) * أي جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعشي كذلك، والجملة إما مستأنفة أو حال من * (الريح) * ولا بد من تقدير مضاف في الخبر لأن الغدو والرواح ليس نفس الشهر وإنما يكونان فيه، ولا حاجة إلى تقدير في المبتدأ كما فعل مكي حيث قال: أي مسير غدوها مسيرة شهر ومسير رواحها كذلك لما لا يخفى، وقال ابن الحاجب في أماليه الفائدة في إعادة لفظ الشهر الإعلام بمقدار زمن الغدو وزمن الرواح والألفاظ التي تأتي مبنية للمقادير لا يحسن فيها الإضمار ألا ترى أنك تقول زنه هذا مثقال وزنة هذا مثقال فلا يحسن الإضمار كما لا يحسن في التمييز، وأيضا فإنه لو أضمر فالضمير إنما يكون لما تقدم باعتبار خصوصيته فإذا لم يكن له بذلك الاعتبار وجب العدول إلى الظاهر، ألا ترى أنك إذا أكرمت رجلا وكسوت ذلك الرجل بخصوصه لكانت العبارة أكرمت رجلا وكسوته ولو أكرمت رجلا وكسوت رجلا آخر لكانت العبارة أكرمت رجلا وكسوت رجلا فتبين أنه ليس من وضع الظاهر موضع الضمير كذا في حواشي الطيبي عليه الرحمة، ولا يخفى أن ما ذكره مبني على ما هو الغالب وإلا فقد قال تعالى:
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»