تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٣٤
نصبهما على العلة للإراءة لوجود المقارنة والاتحاد في الفاعل فإن الله تعالى هو خالق الخوف والطمع، وكون معنى قول النحاة لا بد أن يكون المفعول له فعل الفاعل أنه لا بد من كونه متصفا به كالإكرام في قولك: جئتك إكراما لك إن سلم فلا حجر من الانتصاب على التشبيه في المقارنة والاتحاد المذكور.
وتعقب بأن كون المعنى ما ذكر مما لا شبهة فيه وقد ذكره صاحب الانتصاف وغيره فإن الفاعل اللغوي غير الفاعل الحقيقي فالتوقف فيه وادعاء أنه لا حجر من الانتصاب على التشبيه مما لا وجه له، وأنا أميل إلى عدم اشتراط الاتحاد في الفاعل لكثرة النصب مع عدم الاتحاد كما يشهد بذلك التتبع والرجوع إلى شرح الكافية للرضى، والتأويل مع الكثرة مما لا موجب له، وجوز أن يكون النصب هنا على المصدر أي تخافون خوفا وتطمعون طمعا على أن تكون الجملة حالا، وأولى منه أن يكونا نصبا على الحال أي خائفين وطامعين.
* (وينزل من السماء ماء) * وقرأ غير واحد بالتخفيف * (فيحيي به) * أي بسبب الماء * (الأرض) * بأن يخرج سبحانه به النبات * (بعد موتها) * يبسها * (إن في ذالك لآيات لقوم يعقلون) * يستعملون عقولهم في استنباط أسبابها وكيفية تكونها ليظهر لهم كمال قدرة الصانع جل شأنه وحكمته سبحانه، وقال الطيبي: لما كان ما ذكر تمثيلا لإحياء الناس وإخراج الموتى وكان التمثيل لإدناء المتوهم المعقول وإراءة المتخيل في صورة المحقق ناسب أن تكون الفاصلة لقوم يعقلون.
* (ومن ءاي‍اته أن تقوم السمآء والارض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الارض إذآ أنتم تخرجون) *.
* (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) * أي بقوله تعالى قوما أو بإرادته عز وجل، والتعبير عنها بالأمر للدلالة على كمال القدرة والغنى عن المبادي والأسباب، وليس المراد بإقامتهما إنشاءهما لأنه قد بين حاله بقوله تعالى: * (ومن آياته خلق السموات والأرض) * (الروم: 22) ولا إقامتهما بغير مقيم محسوس كما قيل فإن ذلك من تتمات إنشائهما وإن لم يصرح به تعويلا على ما ذكر في موضع آخر من قوله تعالى: * (خلق السموات بغير عمد ترونها) * (لقمان: 10) الآية بل قيامهما وبقاؤهما على ما هما عليه إلى أجلهما الذي أشير إليه بقوله تعالى فيما قبل: * (ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى) * (الروم: 8).
ولما كان البقاء مستقبلا باعتبار أواخره وما بعده نزول هذه الآية أظهرت هنا كلمة * (أن) * التي هي علم في الاستقبال. والإمام ذهب إلى أن القيام بمعنى الوقوف وعدم النزول ثم قال على ما لخصه بعضهم: ذكرت * (إن) * ههنا دون قوله تعالى: * (ومن آياته يريكم البرق) * (الروم: 24) لأن القيام لما كان غير متغير أخرج الفعل - بأن - العلم في الاستقبال وجعل مصدرا ليدل على الثبوت، وإراءة البرق لما كانت من الأمور المتجددة جيء بلفظ المستقبل ولم يذكر معه ما يدل على المصدر اه‍ * (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) * * (إذ) * الأولى شرطية والثانية فجائية نائبة مناب الفاء في الجزاء لاشتراكهما في التعقيب. والجملة الشرطية قيل: معطوفة على * (أن تقوم) * على تأويل مفرد كأنه قيل: ومن آياته قيام السماء والأرض بأمره ثم خروجكم من قبوركم بسرعة إذا دعاكم، " وصاحب الكشف " يقول: إنها أقيمت مقام المفرد من حيث المعنى وأما من حيث الصورة فهي جملة معطوفة على قوله تعالى: * (ومن آياته أن تقوم) * وذلك على أسلوب * (مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا) * (آل عمران: 97) وفائدته ما سمعته قريبا، وظاهر كلام بعض الأفاضل أن العطف عليه ظاهر في عدم قصد عد ما ذكر آية. واختار أبو السعود عليه الرحمة كون العطف من عطف الجمل وإن المذكور ليس من الآيات قال: حيث كانت آية قيام السماء والأرض بأمره تعالى متأخرة عن سائر الآيات المعدودة متصلة
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»