تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٤
ما فيه وكونه من عند الله عز وجل، والإضافة إلى نون العظمة لمزيد التفخيم. وفيما ذكر غاية التشنيع على من يجحد به.
والجحد كما قال الراغب: نفي ما في القلب ثباته وإثبات ما في القلب نفيه، وفسر هنا بالإنكار عن علم فكأنه قيل: وما ينكر آياتنا مع العلم بها * (إلا الكافرون) * أي المتوغلون في الكفر المصممون عليه فإن ذلك يمنعهم عن الإقرار والتسليم، وقيل: يجوز أن يفسر بمطلق الإنكار، ويراد بالكافرين المتوغلون في الكفر أيضا لدلالة فحوى الكلام، والتعبير بآياتنا على ذلك أي وما ينكر آياتنا مع ظهورها وارتفاع شأنها إلا المتوغلون في الكفر لأن ذلك يصدهم عن الاعتناء بها والالتفات إليها والتأمل فيما يؤديهم إلى معرفة حقيتها، والمراد بهم من اتصف بتلك الصفة من غير قصد إلى معين، وقيل: هم كعب بن الأشرف. وأصحابه.
* (وما كنت تتلو من قبله من كت‍ابولا تخطه بيمينك إذا لارت‍ابالمبطلون) *.
* (وما كنت تتلوا من قبله) * أي وما كنت من قبل أنزالنا إليك الكتاب تقدر على أن تتلو * (من كتاب) * أي كتابا على أن * (من) * صلة * (ولا تخطه) * ولا تقدر على أن تخطه * (بيمينك) * أو ما كانت عادتك أن تتلوه ولا تخطه، وذكر اليمين زيادة تصوير لما نفي عنه صلى الله عليه وسلم من الخط فهو مثل العين في قولك: نظرت بعيني في تحقيق الحقيقة وتأكيدها حتى لا يبقى للمجاز مجاز * (إذا لارتاب المبطلون) * أي لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط أو ممن يعتادهما لارتاب مشركو مكة وقالوا: لعله التقطه من كتب الأوائل، وحيث لم تكن كذلك لم يكن لارتيابهم وجه، وكأن احتمال التعليم مما لم يلتفت إليه لظهور أن مثله من الكتاب المفصل الطويل لا يتلقى ويتعلم إلا في زمان طويل بمدارسة لا يخفى مثلها، ووصف مشركي مكة بالإبطال باعتبار ارتيابهم وكفرهم وهو عليه الصلاة والسلام أمي فكأنه قيل: اذن لارتاب هؤلاء المبطلون الآن وكان إذ ذاك. لارتيابهم وجه، وقيل: وصفهم بذلك باعتبار ارتيابهم، وهو صلى الله عليه وسلمأمي وباعتبار ارتيابهم وهو عليه الصلاة والسلام ليس بأمي أما كونهم مبطلين بالاعتبار الأول فظاهر، وأما كونهم كذلك بالاعتبار الثاني فلأن غاية ما يلزم من عدم أميته صلى الله عليه وسلم انتفاء أحد وجوه الاعجاز، ويكفي الباقي في الغرض فيكون المرتاب مبطلا كالمرتاب في نبوة الأنبياء الذين لم يكونوا أميين وصحة ما جاؤوا به.
والأول أظهر، وكون المراد بالمبطلين مشركي مكة هو المروى عن مجاهد، وقال قتادة: هم أهل الكتاب أي لو كنت تتلو من قبل أو تخط لارتاب أهل الكتاب لأن نعتك في كتابهم أمي، ووصفهم بالإبطال قيل: باعتبار ارتيابهم وهو عليه الصلاة والسلام أمي كما هو الواقع، وإلا فهم ليسوا بمبطلين في ارتيابهم على فرض عدم كونه صلى الله عليه وسلم أميا، وفي الكشف هذا فرض وتمثيل دلالة على أن مدار الأمر على المعجز، وان كونه عليه الصلاة والسلام أميا لا يخط ليس مما لا يتم دعواه به، وتلك الدلالة لا تختلف والمنكر مبطل اه‍ فتأمل.
هذا واختلف في أنه صلى الله عليه وسلم هل كان بعد النبوة يقرأ ويكتب أم لا؟ فقيل: إنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يحسن الكتابة واختاره البغوي في التهذيب وقال: إنه الأصح، وادعى بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم صار يعلم الكتابة بعد أن كان لا يعلمها وعدم معرفتها بسبب المعجزة لهذه الآية. فلما نزل القرآن واشتهر الإسلام وظهر أمر الارتياب تعرف الكتابة حينئذ، وروي ابن أبي شيبة. وغيره
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»