تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٠٦
(69) * (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) * * (وربك يعلم ما تكن صدورهم) * أي ما يكنون ويخفون في صدورهم من الاعتقادات الباطلة ومن عداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك * (وما يعلنون) * وما يظهرونه من الأفعال الشنيعة والطعن فيه عليه الصلاة والسلام وغير ذلك، ولعله للمبالغة في خباثة باطنهم لأن ما فيه مبدأ لما يكون في الظاهر من القبائح لم يقل ما يكنون كما قيل: ما يعلنون.
وقرأ ابن محيصن * (تكن) * بفتح التاء وضم الكاف.
* (وهو الله لاإل‍اه إلا هو له الحمد فى الاولى والاخرة وله الحكم وإليه ترجعون) * * (وهو الله) * أي وهو تعالى المستأثر بالألوهية المختص بها، وقوله سبحانه: * (لا إلاه إلا هو) * تقرير لذلك كقولك: الكعبة القبلة لا قبلة إلا هي.
* (له الحمد في الأولى والآخرة) * أي له تعالى ذلك دون غيره سبحانه لأنه جل جلاله المعطي لجميع النعمب الذات وما سواه وسائط، والمراد بالحمد هنا ما وقع في مقابلة النعم بقرينة ذكرها بعده بقوله تعالى: * (قل أرأيتم) * الخ.
وزعم بعضهم أن الحمد هنا أعم من الشكر، واعتبر الحصر بالنسبة إلى مجموع حمدي الدارين زاعما أن الحمد في الدنيا وإن شاركه فيه غيره تعالى لكن الحمد في الآخرة لا يكون إلا له تعالى، وفيه أن الحمد مطلقا مختص به تعالى لأن الفضائل والأوصاف الجميلة كلها بخلقه تعالى فيرجع الحمد عليها في الآخرة له تعالى لأنه جل وعلا مبديها ومبدعها، ولو نظر إلى الظاهر لم يكن حمد الآخرة مختصا به سبحانه أيضا فإن نبينا صلى الله عليه وسلم يحمده الأولون والآخرون عند الشفاعة الكبرى، وفسر غير واحد حمده تعالى في الآخرة يقول المؤمنين: * (الحمد لله الذي صدقنا وعده) * (الزمر: 74) وقولهم: * (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) * (فاطر: 34). وقولهم: * (الحمد لله رب العالمين) * (الفاتحة: 2)، وقالوا: التحميد هناك على وجه اللذة لا الكلفة، وفي حديث رواه مسلم. وأبو داود، عن جابر في وصف أهل الجنة يلهمون التسبيح والتهليل كما يلهمون النفس * (وله الحكم) * أي القضاء النافذ في كل شيء من غير مشاركة فيه لغيره تعالى، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أي له الحكم بين عباده تعالى فيحكم لأهل طاعته بالمغفرة والفضل ولأهل معصيته بالشقاء والويل * (وإليه) * سبحانه لا إلى غيره.
* (ترجعون) * بالبعث.
* (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم اليل سرمدا إلى يوم القي‍امة من إل‍اه غير الله يأتيكم بضيآء أفلا تسمعون) * * (قل) * تقريرا لما ذكر * (أرأيتم) * أي أخبروني، وقرأ الكسائي * (أريتم) * بحذف الهمزة * (إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) * أي دائما وهو عند البعض من السرد وهو المتابعة والاطراد والميم مزيدة لدلالة الاشتقاق عليه فوزنه فعمل ونظيره دلامص من الدلاص، يقال: درع دلاص أي ملساء لينة.
واختار بعض النحاة أن الميم أصلية فوزنه فعلل لأن الميم لا تنقاس زيادتها في الوسط، ونصبه إما على أنه مفعول ثان لجعل أو على أنه حال من الليل، وقوله تعالى: * (إلى يوم القيامة) * إما متعلق بسرمدا أو بجعل؛ وجوز أبو البقاء أيضا تعلقه بمحذوف وقع صفة لسرمدا وجعله تعالى كذلك بإسكان الشمس تحت الأرض مثلا وقوله تعالى: * (من إلاه) * مبتدأ وخبر، وقوله سبحانه: * (غير الله) * صفة لإله، وقوله تعالى: * (يأتيكم بضياء) * صفة أخرى له عليها يدور أمر التبكيت والإلزام كما في قوله تعالى: * (قل من يرزقكم من السماء والأرض) * (يونس: 31) وقوله سبحانه: * (فمن يأتيكم بماء معين) * (الملك: 30) ونظائرهما خلا إنه قصد بيان انتفاء الموصوف بانتفاء الصفة، ولم
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»