تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٠٣
علام الغيوب مع نزاهتهم عن غائلة المسؤول فما ظنك بأولئك الضلال من الأمم.
وقرأ الأعمش. وجناح بن حبيش. وأبو زرعة بن عمرو بن جرير * (فعميت) * بضم العين وتشديد الميم.
* (فهم لا يتساءلون) * أي لا يسأل بعضهم بعضا لفرط الدهشة أو العلم بأن الكل سواء في الجهل، والفاء إما تفصيلية أو تفريعية لأن سبب العمى فرط الدهشة.
وقرأ طلحة * (لا يساءلون) * بإدغام التاء في السين.
* (فأما من تاب وءامن وعمل ص‍الحا فعسى أن يكون من المفلحين) * * (فأما من تاب) * أي من الشرك * (وآمن وعمل صالحا) * أي جمع بين الإيمان والعمل الصالح * (فعسى أن يكون من المفلحين) * أي الفائزين بالمطلوب عنده عز وجل الناجين عن المهروب و * (عسى) * للتحقيق على عادة الكرام أو للترجي من قبل التائب المذكور بمعنى فليتوقع أن يفلح، وقوله تعالى: * (فأما) * قيل لتفصيل المجمل الواقع في ذهن السامع من بيان ما يؤول إليه حال المشركين، وهو أن حال من تاب منهم كيف يكون، والدلالة على ترتب الإخبار به على ما قبله فالآية متعلقة بما عندها.
وقال الطيبي: هي متعلقة بقوله تعالى: * (أفمن وعدناه وعدا حسنا) * (القصص: 61) والحديث عن الشركاء مستطرد لذكر الإحضار، وتعقبه في " الكشف " بأن الظاهر أنه ليس متعلقا به بل لما ذكر سبحانه حال من حق عليه القول من التابع والمتبوع قال تعالى شأنه حثا لهم على الإقلاع: * (فأما من تاب منهم وآمن) * فكأنه قيل: ما ذكر لمصيرهم فأما من تاب فكلا.
* (وربك يخلق ما يشآء ويختار ما كان لهم الخيرة سبح‍ان الله وتع‍الى عما يشركون) * * (وربك يخلق ما يشاء) * خلقه من الأعيان والأعراض * (ويختار) * عطف على يخلق، والمعنى على ما قيل يخلق ما يشاؤه باختياره فلا يخلق شيئا بلا اختيار، وهذا مما لم يفهم مما يشاء فليس في الآية شائبة تكرار، وقيل في دفع ما يتوهم من ذلك غير ما ذكر مما نقله ورده الخفاجي ولم يتعرض للقدح في هذا الوجه، وأراه لا يخلو عن بعد ولي وجه في الآية سأذكره بعد إن شاء الله تعالى.
* (ما كان لهم الخيرة) * أي التخير كالطيرة بمعنى التطير وهما والاختيار بمعنى، وظاهر الآية نفي الاختيار عن العبد رأسا كما يقوله الجبرية، ومن أثبت للعبد اختيارا قال: إنه لكونه بالدواعي التي لو لم يخلقها الله تعالى فيه لم يكن كان في حيز العدم، وهذا مذهب الأشعري على ما حققه العلامة الدواني قال: الذي أثبته الأشعري هو تعلق قدرة لعبد وإرادته الذي هو سبب عادي لخلق الله تعالى الفعل فيه، وإذا فتشنا عن مبادىء الفعل وجدنا الإرادة منبعثة عن شوق له وتصور أنه ملائم وغير ذلك من أمور ليس شيء منها بقدرة العبد واختياره، وحقق العلامة الكوراني في بعض رسائله المؤلفة في هذه المسألة أن مذهب السلف أن للعبد قدرة مؤثرة بإذن الله تعالى وأن له اختيارا لكنه مجبور باختياره وأدعى أن ذلك هو مذهب الأشعري دون ما شاع من أن له قدرة غير مؤثرة أصلا بل هي كاليد الشلاء ونفي الاختيار عنه على هذا نحوه على ما مر فإنه حيث كان مجبورا به كان وجوده كالعدم، وقيل: إن الآية أفادت نفي ملكهم للاختيار ويصدق على المجبور باختياره بأنه غير مالك للاختيار إذ لا يتصرف فيه كما يشاء تصرف المالك في ملكه، وقيل: المراد لا يليق ولا ينبغي لهم أن يختاروا عليه تعالى أي لا ينبغي لهم التحكم عليه سبحانه بأن يقولوا لم لم يفعل الله تعالى كذا.
ويؤيده أن الآية نزلت حين قال الوليد بن المغيرة لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أو حين قال اليهود لو كان الرسول إلى محمد صلى الله عليه وسلم غير جبريل عليه السلام لآمنا به على ما قيل، والجملة
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»