تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١١٤
بطريق مخصوص مما لم يختص بالزجاج بل أنكرها جماعة أجلة وقالوا بعدم إمكانها، وذهب آخرون إلى خلاف ذلك. وإذا أردت نبذة من الكلام في ذلك فاستمع لما يتلى عليك. ذكر بعض المحققين أن مبنى الكلام في هذه الصناعة عند الحكماء على حال المعادن السبعة المنطرقة وهي الذهب والفضة والرصاص والقزدير والنحاس والحديد والخارصيني هل هي مختلفات بالفصول فيكون كل منها نوعا غير النوع الآخر أو هي مختلفات بالخواص والكيفيات فقط فتكون كلها أصنافا لنوع واحد فالذي ذهب إليه المعلم أبو نصر الفارابي وتابعه عليه حكماء الأندلس أنها نوع واحد وأن اختلافها بالكيفيات من الرطوبة واليبوسة واللين والصلابة والألوان نحو الصفرة والبياض والسواد وهي كلها أصناف لذلك النوع الواحد وبنى على ذلك إمكان انقلاب بعضها إلى بعض بتبدل الأعراض بفعل الطبيعة أو بالصنعة. وقد حكى أبو بكر بن الصغائغ المعروف بابن باجه في بعض تصانيفه عن المعلم المذكور أنه قال: قد بين أرسطو في كتبه في المعادن أن صناعة الكيمياء داخلة تحت الإمكان إلا أنها من الممكن الذي يعسر وجوده بالفعل اللهم إلا أن يتفق قرائن يسهل بها الوجود وذلك أنه فحص عنها أولا على طريق الجدل فأثبتها بقياس وأبطلها بقياس على عداته فيما يكثر عناده من الأوضاع ثم أثبتها أخيرا بقياس ألفه من مقدمتين بينهما في أول الكتاب، الأولى: أن الفلزات وحدة بالنوع والاختلاف الذي بينها ليس في ماهياتها وإنما هو في أعراضها فبعضه في أعراضها الذاتية وبعضه في أعراضها العرضية، والثانية: أن كل شيئين تحت نوع واحد اختلفا بعرض فإنه يمكن انتقال كل منهما إلى الآخر فإن كان العرض ذاتيا عسر الانتقال وإن كان مفارقا سهل الانتقال والعسر في هذه الصناعة إنما هو لاختلاف أكثر هذه الجواهر في أعراضها الذاتية ويشبه أن يكون الاختلاف الذي بين الذهب والفضة يسيرا جدا اه‍، والذي ذهب إليه الشيخ أبو علي بن سينا وتابعه عليه حكماء المشرق أنها مختلفة بالفصول وأنها أنواع متباينة وبني على ذلك إنكار هذه الصناعة واستحالة وجودها لأن الفصل لا سبيل بالصناعة إليه وإنما يخلقه خالق الأشياء ومقدرها وهو الله عز وجل، وهذا ما ححكاه ابن خلدون عنه، وقال الإمام في المباحث المشرقية في الفصل الثامن من القسم الرابع منها: الشيخ سلم إمكان أن يصبغ النحاس بصبغ الفضة والفضة بصبغ الذهب وأن يزال عن الرصاص أكثر ما فيه من النقص ، فأما أن يكون الفصل المنوع يسلب أو يكسي، قال: فلم يظهر لي إمكانه بعد، إذ هذه الأمور المحسوسة تشبه أن لا تكون الفصول التي بها تصير هذه الأجساد أنوعا بل هي أعراض ولوازم وفصولها مجهولة وإذا كان الشيء مجهولا كيف يمكن قصد إيجاده وإفنائه اه‍.
وغلطه الطغرائي وهو من أكابر أهل هذه الصناعة وله فيها عدة كتب ورد عليه بأن التدبير والعلاج ليس في تخليق الفصل وإبداعه وإنما هو في إعداد المادة لقبول خاصة والفصل يأتي من بعض الإعداد من لدن خالقه وبارئه جل شأنه وعظمت قدرته كما يفيد شبحانه النور على الأجسام بالصقل ولا حاجة بنا في ذلك إلى تصوره ومعرفته، وإذا كنا قد عثرنا على تغليق بعض الحيوانات مثل العقرب من التراب والتبن، والحية من الشعر وغير ذلك فما المانع من العثور على مثل ذلك في المعاذن وهذا كله بالصناعة وهي إنما موضوعها المادة فيعدها التدبير
(١١٤)
مفاتيح البحث: الجدال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»