تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٩٣
له لوط عليه السلام فتأمل انتهى، ولا يخفى ما فيه من الغث والسمين.
وأنا أختار كما اختار شيخ الإسلام رجوع الضمير إلى قوم نبينا عليه الصلاة والسلام وأول السورة الكريمة وآخرها في الحديث عنهم وتسليته صلى الله عليه وسلم عما قالوه في شأن كتابه الأكرم ونهيه صريحا وإشارة عن أن يذهب بنفسه الشريفة عليهم حسرات وكل ذلك يقتضي اقتضاء لا ريب فيه رجوع الضمير إلى قومه عليه الصلاة والسلام ويهون أمر عدم رجوعه إلى الأقرب لفظا ويكون الارتباط على هذا بين الآيات أقوى.
واختار أن الإشارة إلى ما تضمنته القصة وأن المعنى أن فيما تضمنته هذه القصة لآية عظيمة دالة على ما يجب على قومك الإيمان به من شؤونه عز وجل وما كان أكثرهم مؤمنين بذلك وكذا يقال في جميع ما يأتي إن شاء الله تعالى وكل ذلك على نمط ما تقدم. وكذا الكلام في * (كان) * وما يتعلق بالجملة. [بم والكلام في قوله تعالى:
* (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) * * (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) * كالكلام فيما تقدم أيضا، ولعل تخريج ما ذكر على هذا الوجه أحسن من تخريج شيخ الإسلام فتأمل والله تعالى أعلم بحقائق ما أنزله من الكلام.
* (واتل عليهم نبأ إبراهيم) * * (واتل عليهم) * عطف على المضمر العامل في * (إذ نادى) * الخ أي أذكر ذلك لقومك واتل عليهم * (نبأ إبراهيم) * أي خبره العظيم الشأن حسبما أوحى إليك ليتأكد عندك لعدم تأثرهم بما فيه العلم بشدة عنادهم. وتغيير الأسلوب لمزيد الاعتناء بأمر هذه القصة لأن عدم الإيمان بعد وقوفهم على ما تضمنته أقوى دليل على شدة شكيمتهم لما أن إبراهيم عليه السلام جدهم الذي يفتخرون بالانتساب إليه والتأسي به عليه السلام.
* (إذ قال لابيه وقومه ما تعبدون) * * (إذ قال) * منصوب على الظرفية لنبأ على ما ذهب إليه أبو البقاء أي نبأه وقت قوله * (لأبيه وقومه) * أو على المفعولية لأتل على أنه بدل من نبأ على ما يقتضيه كلام الحوفي أي أتل عليهم وقت قوله لهم: * (ما تعبدون) * على أن المتلوما قاله عليه السلام لهم في ذلك الوقت. وضمير * (قومه) * عائد على إبراهيم، وقيل: عائد على أبيه ليوافق قوله تعالى: * (إني أراك وقومك في ضلال مبين) * (الأنعام: 74) ويلزم عليه التفكيك.
وسألهم عليه السلام عما يعبدون ليبني على جوابهم أن ما يعبدونه بمعزل عن استحقاق العبادة بالكلية لا للاستعلام إذ ذلك معلوم مشاهد له عليه السلام.
* (قالوا نعبد أصناما فنظل لها ع‍اكفين) * * (قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين) * لم يقتصروا على الجواب الكافي بأن يقولوا أصناما كما في قوله تعالى: * (ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) * (النحل: 30) * (ويسألونك ماذا ينفقون قال العفو) * (البقرة: 219) إلى غير ذلك بل أطنبوا فيه بإظهار الفعل وعطف دوام عكوفهم على أصنامهم مع أنه لم يسأل عنه قصدا إلى إبراز ما في نفوسهم الخبيثة من الابتهاج والافتخار بذلك. وهو على ما في " الكشف " من الأسلوب الأحمق، والمراد بالظلول الدوام كما في قولهم: لو ظل الظلم هلك الناس. وتكون ظل على هذا تامة. وقد قال بمجيئها كذلك ابن مالك وأنكره بعض النحاة، وقيل: فعل الشيء نهارا فقد كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل فتكون ظل على هذا ناقصة دالة على ثبوت خبرها لاسمها في النهار.
واختار بعض الأجلة لتبادر الدوام وكونه أبلغ مناسبا لمقام الابتهاج والافتخار، واختار الزمخشري الثاني لأنه أصل المعنى وهو مناسب للمقام أيضا لأنه يدل على إعلانهم الفعل لافتخارهم به. و * (عاكفين) * على الأول حال وعلى الثاني خبر والجار متعلق به. وإيراد اللام دون على لإفادة معنى زائد كأنهم قالوا نظل لأجلها
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»