تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٩٧
الإنسان في المطعم وغيره كذلك الموت الناشىء عن سبب هذا المرض الذي يكون بتفريط الإنسان وقد أضاف عليه السلام الإماتة مطلقا إليه عز شأنه.
وقال بعض الأجلة بعد التعليل بحسن الأدب في وجه إسناد الإماتة إليه تعالى: إنها حيث كانت معظم خصائصه عز وجل كالأحياء بدءا وإعادة وقد نيطت أمور الآخرة جميعا بها وبما بعدها من البعث نظمهما في سمط واحد في قوله: * (والذي يميتني ثم يحيين) * (الشعراء: 81) على أن الموت لكونه ذريعة إلى نيله عليه السلام للحياة الأبدية بمعزل من أن يكون غير مطبوع عنده عليه السلام انتهى، وأولى من هذه العلاوة ما قيل: إن الموت لأهل الكمال وصلة إلى نيل المحاب الأبدية التي يستحقر دونها الحياة الدنيوية. وفيه تخليص العاصي من اكتساب المعاصي، ثم إن حمل المرض والشفاء على ما هو الظاهر منهما هو الذي ذهب إليه المفسرون. وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أن المعنى وإذا مرضت بالذنوب فهو يشفيني بالتوبة ولعله لا يصح وإن صح فهو من باب الإشارة لا العبارة، و * (ثم) * في قوله: * (ثم يحيين) * للتراخي الزماني لأن المراد بالإحياء للبعث وهو متراخ عن الإماتة في الزمان في نفس الأمر وإن كان كل آت قريب، وأثبت ابن أبي إسحق ياء المتكلم في * (يهديني) * (الشعراء: 78) ومابعده وهي رواية عن نافع.
* (والذىأطمع أن يغفر لى خطيئتى يوم الدين) * * (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) * استعظم عليه السلام ما عسى يندر منه من فعل خلاف الأولى حتى سماه خطيئة. وقيل: أراد بها قوله: * (إني سقيم) * وقوله: * (بل فعله كبيرهم هذا) *، وقوله لسارة هي أختي، ويدل على أنه عليه السلام عدها من الخطايا ما ورد في حديث الشفاعة من امتناعه عليه السلام من أن يشفع حياء من الله عز وجل لصدور ذلك عنه. وفيه أنه وإن صح عدها من الخطايا بالنظر إليه عليه السلام لما قالوا: إن حسنات الأبرار سيئات المقربين إلا أنه لا يصح إرادتها هنا لما أنها إنما صدرت عنه عليه السلام بعد هذه المقاولة الجارية بينه وبين قومه. أما الثالثة فظاهرة لوقوعها بعد مهاجرته عليه السلام إلى الشام؛ وأما الأوليان فلأنهما وقعتا مكتنفتين بكسر الأصنام، ومن البين أن جريان هذه المقالات فيما بينهم كان في مبادي الأمر، وهذا أولى مما قيل: إنها من المعاريض وهي لكونها في صورة الكذب يمتنع لها من تصدر عنه من الشفاعة ولكونها ليست كذبا حقيقة لا تفتقر إلى الاستغفار، وقيل: أراد بها ما صدر عنه عند رؤية الكوكب والقمر والشمس من قوله: * (هذا ربي) * وكان ذلك قبل هذه المقاولة كما لا يخفي، وقد تقدم أن ذلك ليس من الخطيئة في شيء، وقيل: أراد بها ما عسى يندر منه من الصغائر وهو قريب مما تقمد، وقيل: أراد بها خطيئة من يؤمن به عليه السلام كما قيل نحوه في قوله تعالى: * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * (الفتح: 2)، وهو كما ترى والطمع على ظاهره ولم يجزم عليه السلام لعلمه أن لا وجوب على الله عز وجل. وعن الحسن أن المراد به اليقين وليس بذاك. والظرفان متعلقان بيغفر.
والاتيان بالأول للإشارة إلى أن نفع مغفرته تعالى إنما يعود إليه عليه السلام. وتعليق المغفرة بيوم الدين مع أن الخطيئة إنما تغفر في الدنيا لأن أثرها يتبين يومئذ ولأن في ذلك تهويلا لذلك اليوم. وإشارة إلى وقوع الجزاء فيه إن لم تغفر. وفي هذه الجملة من التلطف بأبيه وقومه في الدعوة إلى الايمان ما فيها وقرأ الحسن
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»