والذي ذهب إليه أهل الكتاب أن الانفلاق كان خطيا وأن المسالك اثني عشر مسلكا لكل سبط مسلك ولا تقبيب هناك وأنه قد فتحت لهم كوى ليرى القريب قريبه ويرى الرجل من سبط زوجته من سبط آخر وأنهم خرجوا من الجهة المقابلة لجهة دخولهم وتوجهوا إلى أرض الشام، وليس في كتابنا ما هو نص في تكذيبه بل في الاخبار ما يشهد بصحة بعضه، واتحاد الفروق والمسالك في العدد يحتاج إلى نقل صحيح يثبته، والآية هنا لا تدل على أكثر من تعدد الفروق والله تعالى أعلم، وحكى يعقوب عن بعض القراء أنه قرأ * (كل فلق) * باللام بدل الراء، قال الراغب: الفرق يقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق والفرق يقال اعتبارا بالانفصال، ومنه الفرقة للجماعة المنفردة من الناس.
* (وأزلفنا ثم الاخرين) * * (وأزلفنا) * عطف على * (أوحينا) *، وقيل: على محذوف يقتضيه السياق والتقدير فأدخلنا بني إسرائيل فيما انفلق من البحر وأزلفنا * (ثم) * أي هنالك * (الآخرين) * أي فرعون وجنوده أي قربناهم من قوم موسى عليه السلام حتى دخلوا على أثرهم مداخلهم، وجوز أن يراد قربنا بعضهم من بعض وجمعناهم لئلا ينجو منهم أحد.
أخرج ابن عبد الحكم عن مجاهد قال: كان جبريل عليه السلام بين الناس بين بني إسرائيل وبين آل فرعون فجعل يقول لبني إسرائيل: ليلحق آخركم بأولكم ويستقبل آل فرعون فيقول: رويدكم ليلحقكم آخركم فقال بنو إسرائيل: ما رأينا سائقا أحسن سياقا من هذا وقال آل فرعون: ما رأينا وازعا أحسن زعة من هذا، وقرأ الحسن. وأبو حيوة. * (وزلفنا) * بدون همزة، وقرأ أبي وابن عباس. وعبد الله بن الحرث * (وأزلفنا) * بالقاف عوض الفاء أي أزلقنا أقدامهم، والمعنى اذهبنا عزهم كقوله: تداركتما عبسا وقد ثل عرشها * وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل ويحتمل أن يجعل الله تعالى طريقهم في البحر على خلاف ما جعله لبني إسرائيل يبسا فيزلقهم فيه.
هذا وقال صاحب اللوامح: قيل من قرأ بالقاف أراد بالآخرين فرعون وقومه ومن قرأ بالفاء أراد بهم موسى عليه السلام وأصحابه أي جمعنا شملهم وقربناهم بالنجاة. ولا يخفى أنه يبعد إرادة موسى عليه السلام وأصحابه من الآخرين قوله سبحانه:
* (وأنجينا موسى ومن معه أجمعين) * * (وأنجينا موسى ومن معه أجمعين) * أي وأنجيناهم من الهلاك في أيدي أعدائهم ومن الغرق في البحر بحفظه على تلك الهيئة إلى أن خرجوا إلى البر، وقيل: * (ومن معه) * للإشارة إلى أن إنجاءهم كان ببركة مصاحبة موسى عليه السلام ومتابعته، وقيل: لينتظم من آمن به عليه السلام من القبط إذ لو قيل وقومه لتبادر منه بنو إسرائيل وفيه بحث.
* (ثم أغرقنا الاخرين) * * (ثم أغرقنا الآخرين) * فرعون وجنوده بإطباق البحر عليهم بعد خروج موسى عليه السلام ومن معه وكان له وجبة. روي عن ابن عباس أن بني إسرائيل لما خرجوا سمعوا وجبة البحر فقالوا: ما هذا؟ فقال موسى عليه السلام: غرق فرعون وأصحابه فرجعوا ينظرون فألقاهم البحر على الساحل، والتعبير عن فرعون وجنوده بالآخرين للتحقير، والظاهر أن * (ثم) * للتراخي الزماني، ولعل الأولى حملها على التراخي المعنوي لما بين المعطوفين من المباعدة المعنوية.
* (إن فى ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين) * * (إن في ذلك) * إشارة إلى ما ذكر من القصة، وما فيه من معنى البعد لتعظيم شأن المشار إليه؛ وقيل: لبعد المسافة بالنظر إلى مبدأ القصة * (لآية) * أي لآية عظيمة توجب الإيمان بموسى عليه السلام وتصديقه بما جاء به، وأريد بها على ما قيل انقلاب العصا ثعبانا وخروج يده عليه