تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٨٢
حصان، وقيل: أرسل فرعون في أثرهم ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور مع كل ملك ألف وخرج هو في جمع عظيم وكانت مقدمته سبعمائة ألف رجل كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة، وهم كانوا على ما روى عن ابن عباس ستمائة ألف وسبعين ألفا، وأنا أقول: إنهم كانوا أقل من عساكر فرعون ولا أجزم بعدد في كلا الجمعين، والاخبار في ذلك لا تكاد تصح وفيها مبالغات خارجة عن العادة. والمشهور عند اليهود أن بني إسرائيل كانوا حين خرجوا من مصر ستمائة ألف رجل خلا الأطفال وهو صريح ما في التوراة التي بأيديهم.
وجوز أن يراد بالقلة الذلة لا قلة العدد بل هي مستفادة من شرذمة يعني أنهم لقلتهم أذلاء لا يبالي بهم ولا يتوقع غلبتهم، وقيل: الذلة مفهومة من شرذمة بناء على أن المراد منها بقية كل شيء خسيس أو السفلة من الناس، و * (قليلون) * إما صفة لها أو خبر بعد خبر لأن، والظاهر ما تقدم.
* (وإنهم لنا لغآئظون) * * (وإنهم لنا لغائظون) * لفاعلون ما يغيظنا من مخالفة أمرنا والخروج بغير إذننا مع ما عندهم من أموالنا المستعارة، فقد روى أن الله تعالى أمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط فاستعاروه وخرجوا به، وتقديم * (لنا) * للحصر والفاصلة واللام للتقوية أو تنوزيل المتعدي منزلة اللازم.
* (وإنا لجميع ح‍اذرون) * * (وأنا لجميع حاذرون) * أي إنا لجمع من عاداتنا الحذر والاحتراز واستعمال الحزم في الأمور، أشار أولا إلى عدم ما يمنع اتباعهم من شوكتهم ثم إلى تحقق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم ووجوب التيقظ في شأنهم حثا عليه أو اعتذارا بذلك إلى أهل المدائن كيلا يظن به عليه العلنة ما يكسر سلطانه.
وقرأ جمع من السبعة. وغيرهم * (حذرون) * بغير ألف، وفرق بين حاذر بالألف وحذر بدونها بأن الأول اسم فاعل يفيد التجد والحدوث والثاني صفة مشبهة تفيد الثبات، وقريب منه ما روى عن الفراء. والكسائي أن الحذر من كان الحذر في خلقته فهو متيقظ منتبه، وقال أبو عبيدة: هما بمعنى واحد، وذهب سيبويه إلى أن حذرا يكون للمبالغة وأنه يعمل كما يعمل حاذر فينصب المفعول به، وأنشد: حذر أمورا لا تضير وآمن * ما ليس منجيه من الأقدار وقد نوزع في ذلك بما هو مذكور في كتب النحو. وعن ابن عباس. وابن جبير. والضحاك. وغيرهم أن الحاذر التام السلاح. وفسروا ما في الآية بذلك، وكأنه بمعنى صاحب حذر وهي آلة الحرب سميت بذلك مجازا، وحمل على ذلك قوله تعالى: * (خذوا حذركم) *. وقرأ سميط بن عجلان. وابن أبي عمار. وابن السميقع * (حادرون) * بالألف والدال المهملة من قولهم: عين حدرة أي عظيمة وفلان حادر أي متورم. قال ابن عطية: والمعنى ممتلئون غيظا وأنفة. وقال ابن خالويه: الحادر السمين القوي الشديد. والمعنى أقوياء أشداء. ومنه قول الشاعر:
أحب الصبي السوء من أجل أمه * وأبغضه من بغضها وهو حادر وقيل: المعنى تامو السلاح على هذه القراءة أيضا أخذا من الجدارة بمعنى الجسامة والقوة فإن تام السلاح يتقوى به كما يتقوى بأعضائه، و * (جميع) * على جميع القراآت والمعاني بمعنى الجمع وليست التي يؤكد بها كما أشرنا إليه ولو كانت هي المؤكدة لنصبت.
* (فأخرجن‍اهم من جن‍ات وعيون) * * (فأخرجناهم) * أي فرعون وجنوده أي خلقنا فيهم داعية الخروج بهذا
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»