تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٠٤
المراد بهم ذلك مروي عن مقاتل، وفي " إرشاد العقل السليم " أنه بيان لسبب ضلالهم بعد اعترافهم بصدوره عنهم، والمراد بالمجرمين رؤساؤهم وكبراؤهم، وفي قوله تعالى: * (ربنا إنا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) *. وعن السدي هم الأولون الذين اقتدوا بهم، وقيل: من دعاهم إلى عبادة اوصنام من الجن والإنس. وعن ابن جريح أنهم إبليس وابن آدم القاتل لأنه أول من سن القتل والمعاصي، والقصر قيل بالنسبة إلى الأصنام، ولعلهم أرادوا بنفي الإضلال عنها إهانتها بأنها لا قدرة لها؛ وفيه تأكيد لكونهم في ضلال مبين، ولعل الأولى كونه قصرا حقيقيا بإدعاء أنهم الأحديون في سببية الإضلال حتى أن سببية غيرهم له كلا سببية، وهذا واضح في الشياطين لأن إضلال غيرهم من الكبراء ونحوهم بواسطة إضلالهم لأنهم الذين يزينون الباطل للمتبوع والتابع، ويمكن أن يعتبر في غيرهم بضرب من التأويل وذلك إذا أريد بالمجرمين غيرهم، ثم إن المشركين لا يزالون في حيرة يوم القيامة لا يدرون بم يتشبثون فلا يضر إسنادهم الإضلال تارة إلى شيء وأخرى إلى غيره على أن الإسناد إلى كل باعتبار هذا.
وجوز أن يكون الاختصام بين العبدة بعضهم مع بعض، والخطاب في * (نسويكم) * للأصنام من غير التزام القول بجعلهم أهلا له بل هو كخطاب المضطر للحجر والشجر، وفيه مبالغة في التحسر والندامة، والمعنى أن العبدة مع تخاصم بعضهم مع بعض بأن يقول أحدهم للآخر: أنت مبدأ ضلالي ولولا أنت لكنت مؤمنا اعترفوا بجرمهم وتعجبوا وبينوا سببه، وجوز أيضا أن يكون من الأصنام ينطقهم الله تعالى فيخاصمون العبدة فضمير * (هم) * عائد عليهم، والمعنى قال العبدة معترفين بضلالهم متعجبين منه مبينين سببه: إن كنا الخ والحال إن الأصنام يخاصمونهم قائلين: نحن جمادات متبرئون عن جميع المعاصي وأنتم اتخذتمونا آلهة فالقيتمونا في هذه الورطة. وهذا كله على تقدير كون جملة * (قالوا) * مستأنفة كما هو الظاهر. وجوز أن يكون * (جنود إبليس) * مبتدأ وجملة * (قالوا) * الخ خبره وضمير * (قالوا) * وكذا ما بعده عائد عليه. وأنت تعلم أنه مع كونه خلاف الظاهر لا يتسنى على تقدير أن يراد بجنود إبليس الياطين لما أن المقول المذكور لا يصح أن يكون منهم وإذا أريد بهم متبعوه من عصاة الثقلين عبدة الأصنام وغيرهم يرد أن المقول المذكور قول فرقة منهم وهي العبدة فإسناده إلى الجميع خلاف الظاهر؛ ويبعد كل البعد بل لو قيل بفساده لم يبعد احتمال كون كل شخص سواء كان من عبدة الأصنام أو غيره يخاصم مع كل من يصادفه من غير صلاحية الآخر للاختصام ويقول ما ذكر للأصنام لغاية الحيرة والضجرة، نعم لو أريد بجنود إبليس على تقدير كونه مبتدأ ورجوع الضمائر إليه الغاوون بعينهم وتكون الإضافة للعهد، والتعبير عنهم بهذا العنوان بعد التعبير عنهم بالعنوان السابق لتذليلهم لم يبعد جدا. ومن الناس من جوز الابتدائية والخبرية المذكورتين وفسر الجنود بالعصاة مطلقا. وجعل ضمير * (قالوا) * للغاوون وضمير * (هم. ويختصمون) * للجنود أو للأصنام وفيه مع خروج الآية عليه عن حسن الانتظام ما لا يخفى على ذوي الأفهام.
وقوله تعالى:
* (فما لنا من ش‍افعين * ولا صديق حميم) * * (فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم) * مرتب على ما اعترفوا به من عظم الجناية وظهور الضلالة. والمراد التلهف والتأسف على فقد شفيع يشفع لهم مما هم فيه أو صديق شفيق يهمه ذلك وقد ترقوا لمزيد انحطاط حالهم في التأسف حيث نفوا أولا أن يكون لهم من ينفعهم في تخليصهم من العذاب بشفاعته
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»