تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٩٢
عليه السلام إلى قومه مما لا سبيل إليه أيضا أصلا لظهور أنهم ما ازدادوا بما سمعوه منه إلا طغيانا وكفرا حتى اجترؤا على تلك العظيمة التي فعلوها به فكيف يعبر عنهم بعدم إيمان أكثرهم وإنما آمن له لوط فنجاهما الله تعالى إلى الشام فتدبر اه‍.
وتعقب بأن فيها محذورا من عدة أوجه. أما أولا: فلأن حمل كان على الصلة مع ظهور الوجه الصحيح غير صحيح. وقد لزم هنا بعد هذا حمل الجملة الاسمية باعتبار الاستمرار على أنهم لا يكونون بعد نزول هذه الآية مؤمنين. وإن جعل بمعنى صار يلزم جعله مضارعا لكن عدل عنه للدلالة على كمال التحقق. وهذا أيضا مع إمكان المعنى العاري عن الاحتياج لذلك غير مناسب. أما ثانيا: فلأن إرجاع ضمير * (أكثرهم) * إلى قوم نبينا صلى الله عليه وسلم صرف عن مرجعه المتقدم المذكور لفظا سيما في القصص الآتية المصدرة بكذبت. وأما ثالثا: فلأن قوله: لا بأن يقيسوا شأنه عليه الصلاة والسلام بشأن موسى عليه السلام الخ لا يخلو عن صعوبة إذ الأمر المشترك بينهما عليهما الصلاة والسلام ليس إلا أن كلا منهما نبي مؤيد بالمعجزات مطلقا. وأما إن نظر إلى خصوصيات المعجزات فلا يخفى أنه لا مشاركة بينهما. وكذا قياس حالهم على حال فرعون وقومه لا يخلو عنها على هذا القياس. وأما رابعا: فلأن قوله تعالى: * (إن في ذلك لآية) * الخ قد ذكر على هذا النسق في سبعة مواضع ولا بد من تنسيق تفسيره على نظام واحد فيها مهما أمكن. ومن جملة ذلك ما في قصة نبي الله تعالى لوط عليه السلام وقد ذكر فيها من حال قومه فعلهم الشنيع المعهود ثم إهلاك جميعهم. وما في قصة نبي الله تعالى شعيب عليه السلام وقد ذكر فيها من حال أصحاب الأيكة عملهم المتعلق بالكيل والوزن ثم إهلاك جميعهم من غير تصريح بحيثية كفر كل قوم فلا يناسب فيهما أن يقال: إن في ذلك لآية موجبة لإيمان قريش بأن يقيسوا حال أنفسهم بحال أولئك المهلكين ويجتنبوا تعاطي ما كانوا يتعاطون من المعاصي هذا على الطريق الأول. وأما الطريق الثاني ففيه أيضا عدة محذورات.
أما أولا وثانيا: فلما ذكر أولا وثانيا. وأما ثالثا: فلأن كلا من كلتا القصتين ذكر هنا على وجه الإجمال وذكر مفصلا في سورة أخرى وكل منهما ذكر محدث بحسب نزوله فلا وجاهة في أن يقال: وما أكثرهم مؤمنين بك بأن يتدبروا في حكايتك لقصتهم من غير أن تسمعها من أحد بناء على أنهم قد سمعوها منه عليه الصلاة والسلام مفصلة قبل نزول هذه الآية مع أن كون حكايته صلى الله عليه وسلم ذلك من غير أن يسمعه من أحد مما يؤدي إلى إيمانهم قطعا محل تردد، وأما رابعا: فلأن آخر هذه القصة قوله تعالى: * (وأنجينا) * (الشعراء: 65) * (ثم أغرقنا) * (الشعراء: 66) وكذا آخر قصة لوط عليه السلام قوله تعالى: * (فنجيناه) * (الشعراء: 170) * (ثم دمرنا) * (الشعراء: 172) * (وأمطرنا) * (الشعراء: 173) فالمتبادر أن تكون الإشارة إلى نفس المحكي المشتمل على الأفعال العجيبة الإلهية لا إلى حكايتها. وأما ما قاله في تزييف ما قيل فليس بشيء أيضا لأن نسبة التكذيب إلى كل قوم من الأقوام الذين نسب إليهم إنما هي باعتبار الأكثر كما يرشد إليه قوله تعالى في قصة قوم نوح عليه السلام حكاية عنهم بعد أن قال سبحانه: * (كذبت قوم نوح المرسلين) * (الشعراء: 105) * (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) * (الشعراء: 111) وقوله عز وجل بعد ذلك حكاية عن نوح عليه السلام ما قال في جوابهم * (وما أنا بطارد المؤمنين) * (الشعراء: 114) فيكون ضمير * (أكثرهم) * راجعا إلى القوم غير ملاحظ فيهم ذلك. ومثله كثير في الكلام؛ ويراد بالأكثر في المواضع السبعة جمع موصوفون بزيادة الكثرة سواء كان البعض المؤمن واحدا أو أكثر فلا يرد أنه كيف يعبر عن قوم إبراهيم عليه السلام بعدم إيمان أكثرهم وإنما آمن
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»