تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٧٧
استبطاء لهم في الاجتماع وحثا على التبادر إليه * (هل أنتم مجتمعون) * في ذلك الميقات فالاستفهام مجاز عن الحث والاستعجال كما في قول تأبط شرا:
هل أنت باعث دينار لحاجتنا * أو عبد رب أخا عون بن مخراق فإنه يريد ابعث أحدهما إلينا سريعا ولا تبطىء به.
* (لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغ‍البين) * * (لعلنا نتبع السحرة) * أي في دينهم * (إن كانوا هم الغالبين) * لا موسى عليه السلام، وليس مرادهم بذلك إلا أن لا يتبعوا موسى عليه السلام في دينه لكن ساقوا كلامهم مساق الكناية حملا للسحرة على الاهتمام والجد في المغالبة، وجوز أن يكون مرادهم اتباع السحرة أي الثبات على ما كانوا عليه من الدين ويدعي أنهم كانوا على ما يريدفرعون من الدين.
والظاهر أن فرعون غير داخل في القائلين، وعلى تقدير دخوله لم يجوز بعضهم إرادة المعنى الحقيقي لهذا الكلام لامتناع اتباع مدعى الإلهية السحرة، وجوزه أخرون لاحتمال أن يكون قال ذلك لما استولى عليه من الدهشة من أمر موسى عليه السلام كما طلب الأمر ممن حوله لذلك، ولعل إتيانهم بأن للإلهاب وإلا فالأوفق بمقامهم أن يقولوا إذا كانوا هم الغالبين.
* (فلما جآء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لاجرا إن كنا نحن الغ‍البين) * * (فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا) * أي لأجرا عظيما * (إن كنا نحن الغالبين) * لا موسى عليه السلام ولعلهم أخرجوا الشرط على أسلوب ما وقع غي كلام القائلين موافقة لهم وإلا فلا يناسب حالهم إظهار الشك في غلبتهم.
* (قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين) * * (قال) * فرعون لهم * (نعم) * لكم ذلك * (وإنكم) * مع ذلك * (إذا لمن المقربين) * عندي، قيل: قال لهم: تكونون أول من يدخل على وآخر من يخرج عني. و * (إذن) * عند جمع على ما تقتضيه في المشهور من الجواب والجزاء، ونقل الزركشي في البرهان عن بعض المتأخرين أنها هنا مركبة من * (إذا) * التي هي ظرف زمان ماض والتنوين الذي هو عوض عن جملة محذوفة بعدها وليست هي الناصبة للمضارع. وقد ذهب إلى ذلك في نظير لآية الكافيجي. والقاضي تقي الدين بن رزين. وأنا ممن يقول بإثبات هذا المعني لها. والمعنى عليه وإنكم إذا غلبتم أو إذا كنتم العالبين لمن المقربين. وقرىء * (نعم) * بفتح النون وكسر العين وذلك لغة في * (نعم) *.
* (قال لهم موسى ألقوا مآ أنتم ملقون) * * (قال لهم موسى) * أي بعد ما قال له السحرة: " إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى " * (ألقوا ما أنتم ملقون) * لم يرد عليه السلام الأمر بالسحر والتمويه حقيقة فإن السحر حرام وقد يكون كفرا فلا يليق بالمعصوم الأمر به بل الإذن بتقديم ما علم بالهام أو فراسة صادقة أو قرائن الحال أنهم فاعلوه البتة ولذا قال: * (ما أنتم ملقون) * ليتوصل بذلك إلى إبطاله.
وهذا كما يؤمر الزنديق بتقرير حجته لترد وليس في ذلك الرضا الممتنع فإنه الرضا على طريق الاستحسان وليس في الإذن المذكور ومطلق الرضا غير ممتنع، وما اشتهر من قولهم: الرضا بالكفر كفر ليس على إطلاقه كما عليه المحققون من الفقهاء والأصوليين.
* (فألقوا حب‍الهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغ‍البون) * * (فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا) * أي وقد قالوا عند الالقاء * (بعزة فرعون) * أي بقوته التي يمتنع بها من الضيم من قولهم. أرض عزاز أي صلبة * (إنا لنحن الغالبون) * لا موسى عليه السلام، والظاهر أن هذا قسم منهم بعزته عليه اللعنة على الغلبة وخصوها بالقسم هنا لمناسبتها للغلبة
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»