تحققه حتما وشموله للناس عموما وإطراده وقوعا فكيف يعترفون بالجزاء الدنيوي في حق طائفة خاصة مع عدم الإطراد والملازمة بينه وبين المعاصي حتى يتذكروا ويتعظوا بما شاهدوه من آثار الهلاك وإنما يحملونه على الاتفاق، وإما انتقال من التوبيخ بما ذكر من ترك التذكير إلى التوبيخ بما هو أعظم منه من عدم رجاء النشور، وحمل الرجاء على التوقع وعموم النشور أوفق بالمقام. وقيل: هو على حقيقته أعنى انتظار الخير. والمراد بالنشور نشور فيه خير كنشور المسلمين.
وجوز أن يكون الرجاء بمعنى الخوف على لغة تهامة، والمراد بالنشور نشورهم والكل كما ترى.
* (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهاذا الذى بعث الله رسولا) * * (وإذا رأوك إن يتخذونك) * أي ما يتخذونك * (إلا هزوا) * على معنى ما يفعلون به إلا اتخاذك هزوا أي موضع هزو أو مهزوا به فهزوا إما مصدر بمعنى المفعول مبالغة أو هو بتقدير مضاف وجملة * (إن يتخذونك) * جواب إذا، وهي كما قال أبو حيان. وغيره تنفرد بوقوع جوابها المنفي بأن ولا وما بدون فاء بخلاف غيرها من أدوات الشرط. وقوله تعالى: * (أهاذا الذي بعث الله رسولا) * مقول قول مضمر أي يقول أهذا الخ. والجملة في موضع الحال من فاعل يتخذونك أو مستأنفة في جواب ماذا يقولون؟
وجوز أن تكون الجواب. وجملة * (أن يتخذونك) * معترضة، وقائل ذلك أبو جهل ومن معه، وروى أن الآية نزلت فيه، والإشارة للاستحقار كما في يا عجبا لابن عمر وهذا، وعائد الموصول محذوف أي بعثه و * (رسولا) * حال منه وهو بمعنى مرسل. وجوز أبو البقاء أن يكون مصدرا حذف منه المضاف أي ذا رسول أي رسالة وهو تكلف مستغنى عنه، وإخراج بعث الله تعالى إياه صلى الله عليه وسلم رسولا بجعله صلة وهم على غاية الانكار تهكم واستهزاء وإلا لقالوا: أبعث الله هذا رسولا. وقيل: إن ذلك بتقدير أهذا الذي بعث الله رسولا في زعمه، وما تقدم أوفق بحال أولئك الكفرة مع سلامته من التقدير.
* (إن كاد ليضلنا عن ءالهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا) * * (إن كاد) * إن مخففة من إن واسمها عند بعض ضمير الشأن محذوف أي إنه كاد * (ليضلنا عن ءالهتنا) * أي ليصرفنا عن عبادتها صرفا كليا بحيث يبعدنا عنها لاعن عبادتها فقط، والعدول إلى الإضلال لغاية ضلالهم بادعاء أن عبادتها طريق سوي.
* (لولا أن صبرنا عليها) * ثبتنا عليها واستمكنا بعبادتها، و * (لولا) * في أمثال هذا الكلام يجري مجرى التقييد للحكم المطلق من حيث المعنى دون اللفظ، وهذا اعتراف منهم بأنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ من الاجتهاد في الدعوة إلى التوحيد وإظهار المعجزات وإقامة الحجج والبيانات ما شارفوا به أن يتركوا دينهم لولا فرط لجاجهم وغاية عنادهم، ولا ينافي هذا استحقارهم واستهزائهم السابق لأن هذا من وجه وذاك من وجه آخر زعموه سببا لذلك قاتلهم الله تعالى. وقيل: إن كلامهم قد تناقض لاضرابهم وتحيرهم فإن الاستفهام السابق دال على الاستحقار وهذا دال على قوة حجته وكمال عقله صلى الله عليه وسلم ففيما حكاه سبحانه عنهم تحميق لهم وتجهيل لاستهزائهم بما استعظموه.
وقيل عليه: إنه ليس بصريح في اعترافهم بما ذكر بل الظاهر أنه أخرج في معرض التسليم تهكما كما في قولهم بعث الله رسولا وفيه منع ظاهر والتناقض مندفع كما لا يخفى.
* (وسوف يعلمون حين يرون العذاب) * الذي يستوجبه كفرهم وعنادهم * (من أضل سبيلا) * أي يعلمون جواب هذا على أن * (من) * استفهامية تبتدأ و * (أضل) * خبرها والجملة في موضع مفعولي * (يعلمون) * إن كانت