تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٢٠٨
سليمان عليه السلام. وقرأ سعيد بن جبير. وابن أبي عبلة * (أنها) * بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل أي لأنها أو جعل المصدر بدلا من فاعل صد بدل اشتمال. وقيل: قوله تعالى: * (وأوتينا) * الخ من كلام قوم سليمان عليه السلام كأنهم لما سمعوها أجابت السؤال بقولها: * (كأنه هو) * قالوا. قد أصابت في جوابها فطبقت المفصل وهي عاقلة لبيبة وقد رزقت الإسلام وعلمت قدرة الله عز وجل وصحة النبوة بالآيات التي تقدمت وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها وعطفوا على ذلك قولهم: وأوتينا العلم بالله تعالى وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده سبحانه قبل علمها ولم نزل على دين الإسلام، وكان هذا منهم شكرا لله تعالى على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله تعالى والإسلام قبلها، ويومىء إلى هذا المطوي جعل علمهم وإسلامهم قبلها، وقوله تعالى: * (وصدها) * الخ على هذا يحتمل أن يكون من تتمة كلام القوم.
ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من جهته عز وجل. وعن مجاهد. وزهير بن محمد أن * (وأوتينا) * من كلام سليمان عليه السلام وفي * (وصدها) * الخ عليه أيضا احتمال، ولا يخفى ما في جعل * (وأوتينا) * الخ من كلام القوم أو من سليمان سليمان عليه السلام من البعد والتكلف وليس في ذلك جهة حسن سوى اتساق الضمائر المؤنثة.
وقيل: إن * (وأوتينا) * الخ من تتمة كلامها. وقوله تعالى: * (وصدها) * الخ ابتداء إخبار من جهته تعالى لبيان حسن حالها وسلامة إسلامها عن شوب الشرك بجعل فاعل صدها ضميره عز وجل أو ضمير سليمان عليه السلام.
وما مصدرية أو موصولة قبلها حرف جر مقدر أي صدها الله تعالى أو سليمان عن عبادتها من دون الله أو عن الذي تعبده من دونه تعالى. ونقل ذلك أبو حيان عن الطبري وتعقبه بقوله: وهو ضعيف لا يجوز إلا في الشعر نحو قوله: تمرون الديار ولم تعوجوا وليس من مواضع حذف حرف الجر.
وأنت تعلم أن المعنى مع هذا مما لا ينشرح له الصدر، وأبعد بعضهم كل البعد فزعم أن قوله تعالى: * (وصدها) * الخ متصل بقوله سبحانه: * (أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون) * (النمل: 41) والواو فيه للحال وقد مضمرة. وفي " البحر " أنه قول مرغوب عنه لطول الفصل بينها ولأن التقديم والتأخير لا يذهب إليه إلا عند الضرورة. ولعمري من أنصف رأي أن ما ذكر مما لا ينبغي أن يخرج عليه كلام الله تعالى المجيد، وأنا أقول بعد القيل والقال: إن وجه ربط هذه الجمل مما يحتاج إلى تدقيق النظر فليتأمل والله تعالى الموفق.
* (قيل لها ادخلى الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إنى ظلمت نفسى وأسلمت مع سليم‍ان لله رب الع‍المين) * * (قيل لها ادخلي الصرح) * استئناف بياني كأنه قيل فماذا قيل لها بعد الامتحان المذكور؟ فقيل: * (قيل لها ادخلي) * الخ ولم يعطف على قوله تعالى: * (أهكذا عرشك) * لئلا يفوت هذا المعنى. وجىء بلها هنا دون ما مر لمكان أمرها، و * (الصرح) * القصر وكل بناء عال. ومنه * (ابن لي صرحا) * وهو من التصريح وهو الإعلان البالغ.
وقال مجاهد * (الصرح) * هنا البركة. وقال ابن عيسى الصحن وصرحة الدار ساحتها. وروي أن سليمان عليه السلام أمر الجن قبل قدومها فبنوا له على طريقها قصرا من زجاج أبيض وأجري من تحته الماء وألقي فيه من دواب البحر السمك وغيره. وفي رواية أنهم بنوا له صرحا وجعلوا له طوابيق من قوارير كأنها الماء وجعلوا في باطن الطوابيق كل ما يكون من الدواب في " البحر " ثم أطبقوه - وهذا أوفق بظاهر الآية - ووضع سريره في صدره فجلس عليه وعكفت عليه الطير. والجن . والإنس وفعل ذلك امتحانا لها أيضا على ما قيل، وقيل: ليزيدها استعظاما لأمره وتحقيقا لنبوته وثباتا على الدين، وقيل لأن الجن قالوا له عليه السلام إنها شعراء
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»