تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٢١١
وقرىء بضم النون اتباعا لها للباء * (فإذا هم فريقان يختصمون) * أي فأجاأ ارسالنا تفرقهم واختصامهم فآمن فريق وكفر فريق وكان ما حكى الله تعالى في محل آخر بقوله سبحانه: * (قال الملأ الذين استكبروا للذين استضعفوا لمن آمن منهم) * الآية. فإذا فجائية والعامل فيها مقدر لا * (يختصمون) * خلافا لأبي البقاء لأنه صفة " فريقان " كما قال ومعمول الصفة لا يتقدم على الموصوف، وقيل: هذا حيث لا يكون المعمول ظرفا، وضمير " يختصمون " لمجموع الفريقين ولم يقل يختصمان للفاصلة، ويوهم كملا بعضهم أن الجملة خبر ثان وهو كما ترى، و " هم " راجع إلى ثمود لأنه اسم للقبيلة، وقيل: إلى هؤلاء المذكورين ليشمل صالحا عليه السلام والفريقان حينئذ أحدهما صالح وحده وثانيهما قومه.
والحامل على هذا كما ذكره ابن عادل العطف بالفاء فإنها تؤذن أنهم عقيب الإرسال بلا مهلة صاروا فريقين ولا يصير قومه عليه السلام فريقين إلا بعد زمان. وفيه أنه يأباه قوله تعالى: * (اطيرنا بك وبمن معك) * وتعقيب كل شيء بحسبه على أنه يجوز كون الفاء لمجرد الترتيب. ولعل فريق الكفرة أكثر ولذا ناداهم بقوله يا قوم كما حكى عنه في قوله تعالى:
* (قال ياقوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون) * * (قال يا قوم) * لجعله في حكم الكل أي قال عليه السلام للفريق الكفار منهم بعد ما شاهد منهم ما شاهد من نهاية العتو والعناد حتى بلغوا من المكابرة إلى أن قالوا له عليه السلام يا صالح ائتنا بما تعدنا أن كنت من الصادقين متلطفا بهم يا قوم * (لم تستعجلون بالسيئة) * أي بالعقوبة التي تسوءكم * (قبل الحسنة) * أي التوبة فتؤخرونها إلى حين نزولها حيث كانوا من جهلهم وغوايتهم يقولون أن وقع إبعاده تبنا حينئذ وإلا فنحن على ما نحن عليه * (لولا تستغفرون الله) * أي هلا تستغفرونه تعالى قبل نزولها * (لعلكم ترحمون) * بقبولها إذ سنة الله تعالى عدم القبول عند النزول. وقد خاطبهم عليه السلام على حسب تخمينهم وجهلهم في ذلك بأن ما خمنوه من التوبة إذ ذاك فاسدة وأن استعجالهم ذلك خارج من المعقول. والتقابل بين السيئة والحسنة بالمعن الذي سمعت حاصل من كون احدهما حسنا والآخر سيئا، وقيل: المراد بالسيئة تكذيبهم إياه عليه السلام وكفرهم به وبالحسنة تصديقهم وإيمانهم، والمراد من قوله: * (لم تستعجلون) * الخ لومهم على المسارعة إلى تكذيبهم إياه وكفرهم به وحضهم على التوبة من ذلك بترك التكذيب والإيمان. وحاصله لومهم على إيقاع التكذيب عند الدعوة دون التصديق وحضهم على تلافي ذلك. وإيهام الكلام انتفاء اللوم على إيقاع التكذيب بعد التصديق مما لا يكاد يلتفت إليه. ولا يخفى بعد طي الكشح عن المناقشة فيما ذكر أن المناسب لما حكى الله تعالى عن القوم في سورة الأعراف ولما جاء في الآثار هو المعنى الأول. ومن هنا ضعف ما روي عن مجاهد من تفسير الجسنة برحمة الله تعالى لتقابل السيئة المفسرة بعقوبته عز وجل ويكون المراد من استعجالهم بالعقوبة قبل الرحمة طلبهم إياها دون الرحمة فتأمل.
* (قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون) * * (قالوا اطيرنا) * أصله تطيرنا وقرىء به فادغمت التاء في الطاء وزيدت همة الوصل ليتأتى الابتداء، والتطير التشاؤم عبر عنه بذلك لما أنهم كانوا إذا خرجوا مسافرين فيمرون بطائر يزجرونه فإن مر سانحا بأن مر من ميامن الشخص إلى مياسره تيمنوا وإن مر بارحا بأن مر من المياسر إلى الميامن تشاءموا لأنه لا يمكن للمار به كذلك أن يرميه حتى ينحرف فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان سببا لهما من قدر الله تعالى وقسمته عز وجل أو من عمل العبد الذي هو سبب الرحمة والنعمة أي تساءمنا * (بك وبمن معك) * في دينك حيث تتابعت علينا الشدائد - وقد كانوا قحطوا - ولم نزل في اختلاف وافتراق مذ اخترعتم دينكم، وتشاؤمهم يحتمل أن يكون من المجموع وأن يكون من كل من المتعاطفين.
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 » »»