رأى سليمان عليه السلام العرش ساكنا عنده قارا على حاله التي كان عليها * (قال) * تلقيا للنعمة بالشكر جريا على سنن إخوانه الأنبياء عليهم السلام وخلص عباد الله عز وجل * (هاذا) * أي الإتيان بالعرش أو حضوره بين يدي في هذه المدة القصيرة، وقيل: أي التمكن من إحضاره بالواسطة أو بالذات * (من فضل ربي) * أي تفضله جل شأنه على من غير استحقاق ذاتي لي له ولا عمل مني يوجبه عليه سبحانه وتعالى، وفي الكلام حذف أي فأتاه به فرآه فلما رآه الخ وحذف ما حذف للدلالة على كمال ظهوره واستغنائه عن الإخبار به وللإيذان بكمال سرعة الإتيان به كأنه لم يقع بين الوعد به ورؤيته عليه السلام إياه شيء ما أصلا، وفي تقييد رؤيته باستقراره عنده تأكيد لهذا المعنى لإيهامه أنه لم يتوسط بينهما ابتداء الإتيان أيضا كأنه لم يزل موجودا عنده. فمستقرا منتصب على الحال و * (عنده) * متعلق به. وهو على ما أشرنا إليه كون خاص ولذا ساغ ذكره. وظن بعضهم أنه كون عام فأشكل عليهم ذكره مع قول جمهور النحاة: إن متعلق الظرف إذا كان كونا عاما وجب حذفه فالتزم بعضهم لذلك كون الظرف متعلقا براءه لا به. ومنهم من ذهب كابن مالك إلى أن حذف ذلك أغلبي وأنه قد يظهر كما في هذه الآية. وقوله:
لك العز إن مولاك عز وإن يهن * فأنت لدى بحبوحة الهون كائن وأنت تعلم أنه يمكن اعتبار ما في البيت كونا خاصا كالذي في الآية. وفي كيفية وصول العرش إليه عليه السلام حتى رآه مستقرا عنده خلاف. فأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر. وابن عساكر عن ابن عباس أنه قال لم يجر عرش صاحبة سبأ بين السماء والأرض ولكن انشقت به الأرض فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان وإلى هذا ذهب مجاهد وابن سابط. وغيرهما. وقيل نزل بين يدي سليمان عليه السلام من السماء وكان عليه السلام إذ ذاك في أرض الشام على ما قيل رجع إليها من صنعاء وبينها وبين مأرب محل العرش نحو من مسافة شهرين. وعلى القول بأنه كان في صنعاء فالمسافة بين محله ومحل العرش نحو ثلاثة أيام. وأيا ما كان فقطعه المسافة الطويلة في الزمن القصير أمر ممكن وقد أخبر بوقوعه الصادق فيجب قبوله. وقد اتفق البر والفاجر على وقوع ما هو أعظم من ذلك وهو قطع الشمس في طرفة عين آلافا من الفراسخ مع أن نسبة عرش بلقيس إلى جرمها نسبة الذرة إلى الجبل، وقال الشيخ الأكبر قدس سره: إن آصف تصرف في عين العرش فأعدمه في موضعه وأوجده عند سليمان من حيث لا يشعر أحد بذلك إلا من عرف الخلق الجديد الحاصل في كل آن وكان زمان وجوده عين زمان عدمه وكل منهما في آن وكان عين قول آصف عين الفعل في الزمان فإن القول من الكامل بمنزلة كن من الله تعالى.
ومسألة حصول العرش من أشكل المسائل إلا عند من عرف ما ذكرناه من الإيجاد والإعدام فما قطع العرش مسافة ولا زويت له أرض ولا خرقها اه ملخصا. وله تتمة ستأتي إن شاء الله تعالى. وماذ كره من أنه كان بالإعدام والإيجاد مما يجوز عندي وإن لم أقل بتجدد الجواهر تجدد الأعراض عند اوشعري إلا أنه خلاف ظاهر الآية. واستدل بها على ثبوت الكرامات.
وأنت تعلم أن الاحتمال يسقط الاستدلال. وعلل عليه السلام تفضله تعالى بذلك عليه بقوله: * (ليبلوني) * أي ليعاملني معاملة المبتلي أي المختبر * (ءأشكر) * على ذلك بأن أراه محض فضله تعالى من غير حول من جهتي