* (قال طائركم) * أي سببكم الذي منه ينالكم ما ينالكم من الشر * (عند الله) * وهو قدره سبحانه أو عملكم المكتوب عنده عز وجل * (بل أنتم قوم تفتنون) * اضراب من بيان طائرهم الذي هو مبتدأ ما يحيق بهم إلى ذكر ما هو الداعي إليه أي بل أنتم قوم تختبرون بتعاقب السراء والضراء أو تعذبون أو يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم الطيرة، وجاء * (تفتنون) * بتاء الخطاب على مراعاة * (أنتم) * وهو الكثير في " لسان العرب "، ويجوز في مثل هذا التركيب * (يفتنون) * بياء الغيبة على مراعاة لفظ * (قوم) * وهو قليل في لسانهم.
* (وكان فى المدينة تسعة رهط يفسدون فى الارض ولا يصلحون) * * (وكان في المدينة) * أي مدينة ثمود وقريتهم وهي الحجر * (تسعة رهط) * هو اسم جمع يطلق على العصابة دون العشرة كما قال الراغب؛ وفي الكشاف هو من الثلاثة أو من السبعة إلى العشرة، وقيل: بل يقال إلى الأربعين وليس بمقبول، وأصله على ما نقل عن الكرماني من الترهيط وهو تعظيم اللقم وشدة الأكل، وقد أضيف العدد إليه. وقد اختلف في جواز إضافته إلى اسم اجلمع فذهب الأخفش إلى أنه لا ينقاس وما ورد من الإضافة إليه فهو على سبيل الندور، وقد صرح سيبويه أنه لا يقال ثلاث غنم.
وذهب قوم إلى أنه يجوز ذلك وينقاس وهو مع ذلك قليل، وفصل قوم بين أن يكون اسم الجميع للقليل كرهط ونفر وذود فيجوز أن يضاف إليه إجراء له مجرى جمع القلة أو للكثير أو يستعمل لهما فلا يجوز إضافته إليه بل إذا أريد تمييزه به جيء به مقرونا بمن كخمسة من القوم، وقال تعالى: * (فخذ أربعة من الطير) * (البقرة: 260) وهو قول المازني. واختار غير واحد أن إضافة تسعة إلى رهط ههنا باعتبار أن رهطا لكونه اسم جمع للقليل في حكم أشخاص ونحوه من جموع القلة وهي يضاف إليها العدد كتسعة أشخاص وستع أنفس وهذا معنى قولهم: إن وقوع رهط تمييزا لتسعة باعتبار المعنى فكأنه قيل تسعة أشخاص، وقيل أي تسعة أنفس. وتأنيث العدد لأن المذكور في النظم الكريم * (رهط) * وهو مذكر فليس ذاك من غير الفصيح كقوله ثلاثة أنفس وثلاث ذود، نعم تقدير ما تقدم أسلم من المناقشة، وأما ما قيل أي تسعة رجال ففيه الغفلة عما أشرنا إليه، ثم إنه ليس المراد أن الرهط بمعنى الشخص أو بمعنى النفس بل أن التسعة من الأشخاص أو من الأنفس هي الرهط فليس المعدود بالتسعة ما دل عليه الرهط من الجماعة ليكون هناك تسع جماعة لا تسعة أفراد.
وقال الإمام الأقرب أن يكون المراد تسعة جمع إذ الظاهر من الرهط الجماعة، ثم يحتمل أنهم كانوا قبائل، ويحتمل أنهم دخلوا تحت العدد لاختلاف صفاتهم وأحوالهم لا لاختلاف النسب اه، وقيل: كان هؤلاء التسعة رؤساء مع كل واحد منهم رهط، ولذا قيل تسعة رهط وأسماؤهم عن وهب. الهذيب بن عبد رب. وعنم بن غنم. ودباب بن مهرج. وعمير بن كردية. وعاصم بن مخزمة. وسبيط بن صدقة. وسمعان بن صفى. وقدار بن سالف وهم الذين سعوا في عقر الناقة وكانوا عتادة قوم صالح ومن أبناء أشرافهم، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن أسماءهم دعمى. ودعيم. وهرمى. وهريم. ودواب. وصواب. ودياب. ومسطح. وقدار وهو الذي عقر الناقة * (يفسدون في الأرض) * لا في المدنية فقط افسادا بحتا لا يخالطه شيء من الصلاح كما ينطق به قوله تعالى: * (ولا يصلحون) * أي لا يفعلون شيئا من الاصلاح أو لا يصلحون شيئا من الأشياء، والمراد أن عادتهم المستمرة ذلك الإفساد كما يؤذن به المضارع، والجملة في موضع الصفة لرهط أو لتسعة.
* (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون) * * (قالوا) * استئناف بيان بعض ما فعلوا من الفساد أي قال بعضهم لبعض في أثناء المشاورة في أمر صالح