تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٩٩
إبراهيم عليه السلام فكأنه طلب بعثة نبي كذلك في آخر الزمان لا تنسخ شريعته إلى يوم القيامة وليس ذلك إلا نبيا محمد صلى الله عليه وسلم وقد طلب بعثته عليهما الصلاة والسلام بما هو أصرح مما ذكر أعني قوله: * (وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك) * (البقرة: 129) الخ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: " أنا دعوة إبراهيم عليه السلام ".
وقيل إذا أريد ذلك فلا بد من تقدير مضاف في كلامه عليه السلام أي اجعل لي صاحب لسان صدق في الآخرين أو جعل اللسان مجازا عن الداعي بإطلاق الجزء على الكل لأن الدعوة باللسان فكأنه قال: اجعل لي داعيا إلى الحق صادقا في الآخرين، ولا يخفى أن فيما ذكرناه غني عن ذلك كله. وفي تعليقات شيخ مشايخنا العلامة صبغة الله الحيدري طاب ثراه على تفسير البيضاوي في هذه الآية كلام ناشيء من قلة إمعان النظر فلا تغتر به. واستدل الإمام مالك بهذه الآية على أنه لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحا، وفائدة ذلك بعد الموت على ما قال بعض الأجلة انصراف الهمم إلى ما به يحصل له عند الله تعالى زلفى وأنه قد يصير سببا لاكتساب المثنى أو غير نحو ما أثنى به فيثاب فيشاركه فيه المثنى عليه كما هو مقتضى " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة " ولا يخفى عليك أن الأمور بمقاصدها.
* (واجعلنى من ورثة جنة النعيم) * * (واجعلني) * في الآخرة * (من ورثة جنة النعيم) * قد مر معني وراثة الجنة فتذكر. واستدل بدعائه عليه السلام بهذا بعدما تقدم من الأدعية على أن العمل الصالح لا يوجب دخول الجنة وكذا كون العبد ذا منزلة عند الله عز وجل وإلا لاستغنى عليه السلام بطلب الكمال في العلم والعمل وكذا بطلب الإلحاق بالصالحين ذوي الزلفى عنده تعالى عن طلب ذلك، وأنت تعلم أنه تحسن الإطالة في مقام الابتهال ولا يستغنى بملزوم عن لازم في المقال فالأولى الاستدلال على ذلك بغير ما ذكر وهو كثير مشتهر، هذا وفي بعض الآثار ما يدل على مزيد فضل هذه الأدعية.
أخرج ابن أبي الدنيا في الذكر. وابن مردويه من طريق الحسن عن سمرة بن جندب قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ العبد لصلاة مكتوبة فاسبغ الوضوء ثم خرج من باب داره يريد المسجد فقال حين يخرج بسم الله الذي خلقني فهو يهدي هداه الله تعالى للصواب - ولفظ ابن مردويه - لصواب الأعمال والذي هو يطعمني ويسقين أطعمه الله تعالى من طعام الجنة وسقاه من شراب الجنة وإذا مرضت فهو يشفين شفاه الله تعالى وجعل مرضه كفارة لذنوبه والذي يميتني ثم يحيين أحياه الله تعالى حياة السعداء وأماته ميتة الشهداء والذي أطمع أن يغفر لى خطيئتي يوم الدين غفر الله تعالى له خطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين وهب الله تعالى له حكما وألحقه بصالح من مضى وصالح من بقى واجعل لي لسان صدق في الآخرين كتب في ورقة بيضاء أن فلان بن فلان من الصادقين ثم يوفقه الله تعالى بعد ذلك للصدق واجعلني من ورثة جنة النعيم جعل الله تعالى له القصور والمنازل في الجنة " وكان الحسن رضي الله تعالى عنه يزيد فيه واغفر لوالدي كما ربياني صغيرا وكأنه أخذ من قوله:
* (واغفر لابىإنه كان من الضآلين) * * (واغفر لأبي) * قال ابن عباس كما أخرج عنه ابن أبي حاتم أي أمنن عليه بتوبة يستحق بها مغفرتك، وحاصله وفقه للايمان كما يلوح به تعليله بقوله: * (أنه كان من الضالين) * وهذا ظاهر إذا كان هذا الدعاء قبل موته وإن كان بعد الموت فالدعاء بالمغفرة على ظاهره وجاز الدعاء بها لمشرك والله تعالى لا يغفر أن يشرك به لأنه لم يوح إليه عليه السلام بذلك إذ ذاك والعقل لا يحكم بالامتناع، وفي " شرح مسلم " للنووي
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»